ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
ليست المرة الأولى التي تتولى فيها إسرائيل إسعاف الإرهابيين الجرحى وتقديم العلاج لهم في المشافي الإسرائيلية، لكنها ربما تكون سابقة فعلاً أن تفصح فيها عن هويتهم الحقيقية وانتمائهم لجبهة النصرة، المدرجة رسمياً على قائمة الإرهاب أوروبياً وأميركياً!!
فرغم صعوبة هضمه سياسياً وإعلامياً، ورغم التشكيك في قراءة التحالفات سواء كانت مع الشياطين أم بين الشياطين، فإن أي محاكاة تحليلية للمشهد تقتضي العودة إلى جذر التحالفات التي دفعت بالكثير منها إلى الخروج من الظل إلى العلن، وإن اختلفت أو تباينت الذرائع والحجج.
سياسياً تبدو المسألة متأزمة في عملية الفهم، وعسيرة في إطار الشرح، لاعتبارات تتعلق بكنه العلاقة المتشكلة على خلفية الإيقاع القائم في المنطقة، عندما تصبح إسرائيل الملاذ الحصري لمقاتلي جبهة النصرة، وحين تتعمد إسرائيل تسريب هويتهم، حيث الرسالة الإسرائيلية المعلنة في سطور هذا التعمد تتجاوز قضية المشاغبة على الأميركي، وقصة المناكفة مع الأوروبي، لتصل بلغة التعبير السياسي عتبة الخروج على المألوف في الممارسة الإسرائيلية على مدى وجودها الشاذ في الأرض العربية، وهي التي كانت الأكثر حرصاً على سرية تحالفاتها مع شبكات الإرهاب العالمي.
في العلاقة القائمة بين جبهة النصرة وإسرائيل، ثمة من يشكك في الهوية الناظمة التي ينضوي تحت مظلتها الطرفان لاعتبارات تتعلق بجوهر ما يثار من تحالفات أفتت في نهاية المطاف أن يتحالف كل منهم مع «الشيطان» بمنظور ايديولوجي وسياسي محكم لحسابات قد لا تتغير، لكنها أيضاً غير ثابتة.
فالتحالف مع «الشيطان» في العناوين لا يعني نفي وجوده في التفاصيل التي اعتاد أن يكمن فيها، وبالتالي من المنطقي طرح التصور الافتراضي الذي دفع بإسرائيل إلى المجاهرة بتحالفاتها مع الشيطان ذاته، فيما كانت العلاقة الجذرية التي تربط تنظيم القاعدة بأميركا عموماً قد اشترطت عدم المساس بإسرائيل في أي عمل، وهو ما التزمت به بشكل صارم القاعدة وفروعها وتفرعاتها، ولم يغير مقتل بن لادن في تلك المعادلة من حيث الجوهر، لكنه ربما أفسح المجال أمام إعادة الارتباط بين أميركا والقاعدة، لخدمة المشروع الأميركي في المنطقة، وتالياً خدمة إسرائيل في نهاية المطاف.
وإذا كان المعمول به تقليدياً أن تكون الخدمة بالوكالة عبر الأميركي، وليس مباشرة، فإن تظهيرها اليوم يطرح أكثر من علامة تعجب ناتجة عن التساؤلات التي تطفو على السطح، ومفادها لماذا اضطرت إسرائيل إلى التعامل العلني مع تنظيم القاعدة ومشتقاته، ولماذا دعت إلى تعويم تحالفاتها مع مشيخات الخليج في مواجهة التقارب الأميركي الإيراني، ورفض النزوع باتجاه الحلّ السياسي لقضايا المنطقة عموماً وفيما يخصّ سورية تحديداً؟!
ليس من الصعب العثور على عشرات الإجابات المتشابهة في خضم متحولات لا تقتصر على تشكيلة العلاقات داخل المنطقة، وإنما هي على المستوى العالمي الذي يقرّ اليوم بأن الحدث السوري غيّر من معادلات كثيرة كانت قائمة، وبالتالي كان من الطبيعي أن يكشف أيضاً عن التحالفات السرية، وأن يميط اللثام عمّا تداولته الغرف السرية وأقبية الاستخبارات العالمية من صفقات في السياسة والإعلام، وإن كانت في نهاية المطاف تقرّ بمفاجآت غير محسوبة في التقاطعات السياسية، وتحديداً فيما يخصّ العلاقة مع التنظيمات الإرهابية.
فإسرائيل التي قامت على الإرهاب كانت أول من شرعن ممارسته رسمياً، ومن الطبيعي أن تنشأ العلاقة بينها وبين التنظيمات الإرهابية بحكم التطابق في الأهداف والاستخدام المزدوج والتوظيف السياسي الناتج عن تلك العلاقة، لكن ربما من غير الطبيعي أن تلوذ أميركا بالصمت، وأن تبتلع أوروبا لسانها، وأن تتجرع الأعراب كأس المرارة في أن تكون في كفة واحدة لتحالف معلن، فحين تلتقي «النصرة» وإسرائيل لابد أن تكون الأعراب «الشيطان» ثالثهما.
a.ka667@yahoo.com