الملحق الثقافي:أمين غانم:
في بروقٍ هائجة مجنَّحة بغامضٍ متدفق، تخفقُ الكلمات في صورٍ تفيض عنها، فيدعونا الشاعر- وبكل مجازفة – من غيابٍ مخبوءٍ بينها. يدعونا إلى أعماقنا، إلى سفرٍ نحو الدهشة، بلا اتِّجاه ولا قانون، وبجرأةٍ تملؤنا حركة وتجاوزاً.
يدعونا إلى مالم نره من قبل. إلى كلماتٍ من خياله، أذهلته من قبل، في حالٍ من الغبطة والدهشة، وربما الخوف.
الغامضُ هو ما يجذب الشاعر، بدافعٍ من حساسيةٍ مختلفة، وشعور غامض، يتلقَّاه فيفيضُ بخصوصٍ، وبمسافةِ قطيعة وفارقة بينه وبين المتلقي، فتبدو الصور الشعرية غامضة، وبكلماتٍ ذات مدلولات جديدة، بعد انهيار معانيها السابقة، من خلال تلاقحٍ جديد يُلبسها مدلولات جديدة.
لذلك هي متحركة، متماسكة، بعيداً عن الرؤية اﻷفقيّة التي هي فصاحة جوفاء، ميتة، وتشابيهٌ تتراكم وتسكن شكلاً دائماً، وإيقاعاً ثابتاً.
إن خيال القصيدة، موجود في العلاقة الجدلية بين صورها، وليس في استمرار هذه الصور فحسب، فالخيال يتعلَّم حرّيته من قوَّة السيرورة، ومن عزلته الخاصة، لذلك هو لا يريد أن يعتقل في ثبات، فيخترع الصور المتجددة اﻹلهامية، ولها القدرة الكامنة على إيقاظ الوعي الذاتي للشاعر، وقوَّته كشاعرٍ تكمن في أن يمضي نحو الخيال الدائم.
لذا، الصورة الشعرية تتخلّى عن المباشرة، وتأخذ الشكل الأكثر حركة وديمومة، بلا زمان أو مكان، أو أفكارٍ مسبقة قائمة في ذهن المتلقي، فالشاعر يخلق الصورة، ويشحنها بحساسيةٍ شعرية جديدة، طازجة أبداً، تخلق معناها وتستمد قوتها منه.
الصورة الشعرية هي انفعالات في صيرورتها، ترتبط بصورٍ أخرى لا يوفِّرها إلا الخيال، والذائقة الراقية بين الشاعر والمتلقي، وهي خلق وليست انعكاساً أو تكراراً أو اختباءً وراء قضايا كبرى، مع انحسار الدهشة والسؤال، فهي لا تُحدُّ بمجموعةٍ كلماتٍ تشير إليها، بل تتدفق عن كلماتها لترقى عنها..
هي أكبر من كلماتها كما اﻹنسان «فيزيائيا». أكبر من مجموعِ أجزائه، والعناصر المكوِّنة له.
التاريخ: الثلاثاء23-2-2021
رقم العدد :1034