الملحق الثقافي:نبوغ محمد أسعد:
كتابٌ يبحث في الحياة الاقتصادية في أوغاريت، ما بين القرنين الرابع عشر والثالث عشر، ويقدِّم شرحاً مفصَّلاً بتواثيق عربية وعالمية، عن تاريخ هذه المملكة جغرافياً واقتصادياً وتجارياً وسياسياً، وما تعرَّضت له هذه المملكة الكنعانية الأصل، المتوغلة في عمق القدم، وكيف تمَّ اكتشاف أنقاضها في تلٍّ أثريٍّ يدعى «رأس شمرا»، التابعة لمحافظة اللاذقية، وكيف كانت تحتل موقعاً متقدماً على خارطة الحضارات القديمة في الشرق، نظراً لأهميتها وتقدُّم علومها، ووقوعها كمركز تجاري هام بين منطقة الأناضول، ومن خلفها اليونان في الشمال والغرب، ووسط أوربا ومناطق سورية الداخلية، وشرق الهلال الخصيب، ومصر في الجنوب، وشواطئ المتوسط.
في هذا الكتاب، يطرح الكاتب والباحث. د: إياد عبد الله يونس»، وضمن فصول كتابه الخمسة، عدة قضايا مهمَّة، وما آلت إليه هذه المملكة من أحوال ومتغيرات، خلال تلك الحقبة، مبيِّناً لنا أهمية الزراعة والأنظمة التي كانت تابعة لها.
في الفصل الأول، يوضِّح أن النظام المشاعي، هو من الملكية الخاصة للأرض من قبل ساكنيها، وكيفية إثبات حقهم فيها، باللجوء إلى المؤاخاة والتبنّي، أي يحقُّ للشاري أن يملك الأرض بعد أن يدخل في قوام العشيرة، ويصبح فردًا منها، لتصبح الأرض ملكية أبدية.
وأما في مجال الصناعة وتعدّدها، وتقانة صنعها، ودقّة مهارتها في إبداع القطع الأثرية الفخارية، وغيرها مما في الفصل الثاني من الكتاب، فقد كان معظم سكان المملكة يستخدمون الفخار في حياتهم العملية، إضافة إلى العاجية واستخدامها كأثاث للمنزل، وهذا ما جعل العلاقات التجارية في منطقة المتوسط، في غاية الأهمية، إضافة إلى ظهور الصناعات المعدنية بشكل ملحوظ، مثل النحاس والبرونز، وقد ظهرت هذه الصناعات عام 1960خلال الحفريات الجنوبية للمدينة، وقد ظهرت أيضاً، عدة مشاغل صناعية بمختلف المهن وأهمها، الصناعات الحربية المصنوعة من البرونز والفضة والنحاس والخشب والحجر، كالسكاكين والخناجر والسيوف، ونهايات الرماح، تبعاً لدقَّة استخدامها في المعارك، وسهولة حملها وأشكالها التي تدل على الأبهة والعظمة.
أيضاً، كان لصناعة النسيج والخشبيات وغير ذلك من الصناعات اليدوية، دور في وحدة الاقتصاد المتكاملة، استغلَّت كافة الظروف لتكون في تقدِّمٍ تضاهي به العالم.
في الفصل الرابع من الكتاب، وفي مجال التجارة، كان هناك مطامعٌ لدول الجوار في هذه الثروات، نظراً لموقع المدينة الجغرافي، ومركزها المرموق الواقع على المتوسط، مما جعلها أيضاً، مطمعاً للدول الكبرى، فكان احتلال مصر والدولة الحثية يُعتبر مكسباً، لأن مصر تعتبر مفتاح الانتصار على الحثِّيين، وخصاصة أنها سوف تؤمِّن وصول الأسلحة والمؤن للجيش، وكذلك الحثِّيين الذين اعتبروا سيطرتهم عليها يجعلها خط الدفاع الأول ضد المصريين، وعرقلة وصول المعدات الحربية إليهم عن طريق البحر.
ننتقل إلى الفصل الخامس، وفيه يشرح، د. «يونس» أهمية دور المعبد في الحياة الاقتصادية في أوغاريت، وأهمية العلاقات بين الأهالي وكهنة المعبد، وما يقدمونه لهم من قرابين تجعل العلاقات بينهم أكثر حميمية، وتعزِّز تلاحمهم الديني، وتقدّم الخير والعطاء لاستمرار الحياة الاقتصادية والوفرة المعيشية للجميع.
نرى مما سبق، بأن الكاتب قد قدّم لنا بحثاً مستفيضاً، وعمّا كان لهذه المملكة وموروثها الحضاري، المملكة التي ما زالت ناهضة من عمق التاريخ السوري الأصيل، وبكافة علومه المختلفة التي جعلته، محطَّ أنظار العالم ومطامعه الدنيئة، المركز الذي كان وسيبقى، شامخاً، راسخاً، مهما ازدادت المطامع، وهو حقٌّ لسورية على مرِّ التواريخ والحقب، ولن نفرِّط به حتى نهاية الأرض ومن عليها.
التاريخ: الثلاثاء23-2-2021
رقم العدد :1034