الثورة أون لاين – د . مازن سليم خضور:
نُقل عن الأستاذ الجامعي الأمريكي انطوني دي ماجيو ، أستاذ شؤون الشرق الأوسط بجامعة ألينوى الأمريكية ، بأن اليمين المتطرف الأمريكي لم يعد قانعاً بوصف الإسلام بالإرهاب ، وبأن هذا اليمين أصبح يتحرك حالياً من أجل وسم اللغة العربية بالإرهاب ، والدفع باتجاه إدراج اللغة العربية في مؤسسات التعليم الأمريكية والغربية باعتبارها (لغة إرهابية) .
يحتاجُ التوقف على هذه الإشارة إلى أشياء كثيرة فيما لو صحت الرواية ، أوطان بأكملها ، شعوب و أمم ، و استنفار لكل شيء ، لكن ذلك لم يحدث طبعا !.
ارتبطت حملة معاداة اللغة العربية بالمساعي الاستعمارية المنظمة التي استهدفت الشخصية الوطنية بهدف تفكيك وحدتها منذ الأزل ، كون اللغة واحدة من أهم مقومات الهوية لأي مجتمع ، وهي التي تحافظ على تاريخه وحضارته وتشكل ذاكرته الجمعية من خلال نقل الثقافة والتاريخ وغيرها .
الهويّة تُعرَّف على أنّها جوهر الشّيء وحقيقتُه ، وعندما نتكلم عن هويّة أمّة فهذا يعني حكماً صفاتها التي تميّزها عن الأمم الأخرى لتعبّر عن شخصيّتها الحضاريّة ، وهنا أهم ما يميز الهوية هو اللغة ، وبالتأكيد هذا ينطبق على اللغة العربية التي تتميز بقدرتها على التكيف والإبداع في مختلف وشتى أنواع العلوم ، وهي التي تعتبر من أقدم اللغات .
تم الحديث ضمن سلسلة الحرب الأخرى عن طرق استهداف المجتمع العربي عامة والسوري خاصة من كافة النواحي والجوانب ، واليوم نستفيض بالحديث عن استهداف اللغة العربية ، هذا الاستهداف تم من خلال العديد من الأشكال والمحاولات كانت عبر التاريخ .
محاولة “مصطفى كمال أتاتورك” واحدة من تلك المحاولات التي استهدفت لغة العرب في العقد الثاني من القرن العشرين ، باستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية ، وفرض حظر شديد على كل من يتكلم العربية من جهة ، ومن جهة ثانية انتشار اللهجات العامية والتعويل عليها كبديل للغة العربية الفصحى علماً أن مفرداتها تتشكل من الحروف العربية أيضاً .
يقول أحمد شوقي : إن الذي ملأ اللغاتِ محاسناً .. جعل الجمال وسره في الضاد .
تُعدّ اللغة العربية لغةً خالدة ، ولن تنقرض مع مرور الزّمن أبداً حسب دراسة لجامعة “برمنجهام” أُجريت للبحث في بقاء اللّغات من عدمه في المُستقبل ، وتتميّز بالفصاحة وكثرة المفردات والترادف وعلم العروض والتخفيف وفهم معنى الكلمة بشكلٍ عامّ أو دقيق من خلال الصّوت فقط وهذه ميزة في لغة الضاد ، و تتميز اللغة العربية بخصائص تراكيبها ونحوها وصرفها وأدبها ، وهي اللغة الأم لمجموعة اللغات التي نشأت في شبه الجزيرة العربية ، وأم العربيات المتمثلة بالحميريّة والبابلية والعبرية والآرامية والحبشية أو اللغات السامية التي ترجع إلى أبناء نوح عليه السلام .
يصادف 21 من شباط اليوم الدولي للغة الأم ، ووفق الدراسات تحتل اللغة العربية لغتنا الأم المركز الرابع كأكثر اللغات انتشاراً في العالم خاصة أنها لغة القرآن الكريم ، حيث ووفق ما ذكر الموقع الإلكتروني لجريدة “واشنطن بوست” أنه يوجد في العالم حاليا 7102 لغة حية ، وتحتل قارة آسيا المركز الأول من حيث عدد اللغات الحية التي توجد بها ، إذ تبلغ 2301 لغة ، وتليها القارة السمراء (إفريقيا) بفارق ليس كبيراً ، حيث يوجد بها 2138 لغة ، ثم تأتي منطقة المحيط الهادي بعدد يبلغ 1300 لغة ، وتليها الأمريكيتان معاً بـ 1046 لغة ، وتأتي الصينية في المركز الأول تليها الهندية والأردية ، ثم الإنكليزية وتحتل اللغة العربية المرتبة الرابعة حيث أن 60 دولة في العالم تتحدث اللغة العربية .
ومع الانتشار الكبير للغة العربية على المستوى العالمي كلغة منطوقة إلا أنها تواجه بعض العقبات التي تقف بوجه سيرها بالطريق الصحيح ، ومنها اختلاط اللغات الثانية على اللغة العربية ، واستبدالها بالكثير من اللهجات المحلية الأخرى وعدم الاهتمام بكتابة اللغة العربي صحيحة في مجالات البحث العلمي ، وعدم استخدامها كلغة خاصة في الأبحاث الأكاديمية والعلمية ، بالإضافة إلى قلة التفكير ببرمجة التكنولوجيا إلى اللغة العربية والاعتماد في الشبكة العنكبوتية على الأرقام واللغة اللاتينية التي أصبحت من المصمم الرئيسي للصفحات إلكترونية ، وأدت التطورات التكنولوجية والاستخدام المكثَّف للغات العالمية مثل الانكليزية والفرنسية إلى عديد التغييرات في استخدام اللغة العربية حتى تم إدخال بعض المفردات والجمل الأجنبية في الحديث اليومي بين الأفراد لاسيما في الترحيب والاستقبال والوداع ، وكذلك في سياق الحديث .
ومن جهة أخرى شكلت ممارسات التتريك التي تمارسها تركيا في المنطقة عبر التاريخ و حالياً لناحية افتتاح كليات في المناطق التي تحتلها ، بالإضافة إلى إطلاق أسماء الضباط الأتراك الذين قتلوا أثناء العدوان التركي على الأراضي السورية على المدارس السورية ، وفرض اللغة التركية مادة أساسية في مناهج التدريس وفق ما نشرته وسائل إعلام التنظيمات الإرهابية المتواجدة في الشمال السوري ، والتي تخضع للاحتلال التركي .
تشكل اللغة العربية واحدة من أهم اللغات الإنسانية في العالم و التي استمرت لقرون طويلة ، واستطاعت احتواء الإنجازات والحضارات ، إلا أن أثر العولمة وانتشار العامية قلل من مركزية اللغة العربية ومكانتها في المجتمع .
التصدي لكل ذلك ومواجهته يستوجب وقفة بحجم تاريخ حروفها ، إن مناصري اللغة العربية حاولوا جاهدين بإنشاء الجمعيات المخصصة للحفاظ على اللغة العربية وتنميتها بدلاً من ضياعها ، فما هو المطلوب للنجاة بلغتنا العربية آخر ما يوحد العرب و يجمعهم ؟.
خطوات كثيرة مثل تطوير الفصحى حتى تقترب من العالمية أكثر من خلال إدخالها كلغة مندرجة في عالم برمجة النت والتكنولوجيا ، وتطوير مفردات وتراكيب تواكب التطور الحاصل في العلوم كافة ، وفي حال كان هناك ضرورة للتعريب أن يكون التعريب مواكب للحداثة ، و التوازن في استخدام الكلمات البديلة بأن تكون انسيابية ، وعدم استخدام كلمات معقدة مثل استبدال كلمة بجملة بهدف تعريبها .
مواجهة العولمة بطريقة علمية خطوة مهمة ، لأنه لا يوجد شر مطلق ، ولا يوجد خير بالمطلق ، ومن خلال العولمة نستطيع كعرب أخذ ما نريد بما يتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا وتطوير بعض المفاهيم والأفكار ، وحتى المفردات والجمل التي لا تتناسب مع المرحلة الحالية ، علماً أنها كانت تناسب حقبة تاريخية معينة في السابق .. وبالتالي العمل على تطويرها لتتكيف مع تطور المراحل .
خلاصة القول : اللغة تمثل وعاء الفكر والتجارب الإنسانية عبر التاريخ ، وبالتالي الحفاظ عليها يعني الحفاظ على التاريخ والحضارة ، فهي التي حملت أحلام البشر ، وسجلت تطلعاتهم في رحلة وجودهم من البداية وحتى النهاية .
وكما قال”بارتلمي هربلو” أحد أقدم المستشرقين والمهتمين في ترجمة تاريخ المسلمين : ”إن اللغة العربية أعظم اللغات آداباً ، وأسماها بلاغة وفصاحة وهي لغة الضاد” .
فهل يدرك العرب قيمة حروفهم ، أم إن “الأبجدية البديلة” .. ستكون آخر حروب “الضاد”