الثورة أون لاين – بقلم مدير التحرير أحمد حمادة:
يفرح البشر عندما يسمعون سيناتوراً أو مسؤولاً أميركياً يهاجم سياسات البلطجة والعدوان وغزو الشعوب، التي تمتهنها إدارات بلاده تحت ذرائع واهية، وشعارات “إنسانية” براقة، بل يصفقون لكل كلمة يقولها، ويشدّون من أزره، ويثنون عليه، ويثمّنون مواقفه، التي تنصف الأمم، وتعارض الحروب والغزو والإرهاب والعدوان.
لكن ثمة سيناتورات ومسؤولون ممن يعارضون تلك السياسات العدوانية ليس من باب رفضها، ولا من باب “إنسانيتهم” ودفاعهم المزعوم عن حقوق الإنسان، بل لمجرد أنها لم تحصل على موافقتهم المسبقة، أو لأنهم من الحزب الجمهوري ومن اتخذها من “الديمقراطي” والعكس صحيح، وما يتطلبه ذلك من إشعال السجالات والمعارك الفارغة والتضليلية بين الحزبين، التي اعتاد العالم عليها طويلاً.
وبمعنى آخر فإن جوهر القصة هنا أن تلك المواقف المتخذة من قبل هذا السيناتور أو ذاك ينطبق على أصحابها المثل القائل “وجهان لعملة واحدة”، فالسيناتور الذي يهاجم البيت الأبيض لأنه أمر بغزو دولة ما، أو اعتدى على شعب ما، هدفه أبعد من هدف تلك الإدارة، بل أكثر عدوانية منها، ولا يريد سوى تمرير رؤيته المتطرفة لما يجري.
ما يدفعنا لهذا الرأي ما سمعناه على لسان السيناتور الأميركي الديمقراطي “تيم كين” الذي علق على العدوان العسكري على سورية الذي أمر به رئيسه بايدن مؤخراً قائلاً: “إن الأعمال العسكرية الهجومية دون موافقة الكونغرس هي غير دستورية”.
فهي غير دستورية برأي السيد “كين” ليس لأنها تقتل الأبرياء، بل لمجرد أن فريق بايدن لم يستشيروه ويأخذوا موافقته وموافقة زملائه عليها، فهذا السيناتور لم يقل إن الهجوم على سورية مدان ومرفوض لأنه ينتهك القوانين الدولية وينتهك سيادة دولة أخرى، ولم يقف ضد بايدن لأنه مستمر في أخذ بلاده لدور شرطي العالم، ولم يعارض هجومه العسكري على سورية لأنه يشكل خطراً بالغاً على الأمن والسلم الدوليين، بل لأنه لم يحصل على موافقته وموافقة زملائه في الكونغرس، فبات بنظره “غير دستوري”، ولو حصلت تلك الموافقة لكان “دستورياً” وبصم عليه كين بأصابعه العشرة.
لم يعترض “كين” إذاً على العدوان بحد ذاته، ولم يكن همه قضايا حقوق الإنسان التي ينتهكها جنود بلاده والإرهابيون في سورية، ولم يكن غاضباً بسبب نكوث بايدن بما تعهد به في السابق بإنهاء الحروب وإحلال السلام، ولم يوبخه على عدم الوفاء بوعوده، بل كل ما في القصة أنه لم يأخذ “موافقته” على العدوان المذكور.
قصارى القول: هؤلاء هم ديمقراطيو أميركا وجمهوريوها، وهذه عينة من حمائمها المزعومة، مع العدوان، ومع استمرار الفوضى الهدامة ودعم الإرهاب، ولكن الاختلاف بينهم على الأسلوب والطريقة والتفاصيل، فهذا يريد عدواناً بعد موافقته، وذاك يريد عدواناً أوسع، وعلى مقاسه، وهكذا دواليك.. فهل وصلت الرسالة؟!.