افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله
في مثل هذه الأيام من 2011 كانت الرؤوس الصهيو – أميركية الحامية الخاوية إلا من الفُجور، المُتخمة بالشرور التي لا يَحكمها إلا الغطرسة والغرور، كانت قد وضعت بالتنفيذ خطة الحرب والعدوان، من بعد وضع اللمسات الأخيرة على مُخطط استهداف سورية، برنامجه الزمني الحالم، أدواته الآثمة، تَكاليفه الفلكية، مَحطاته المتعددة المملوءة نفاقاً، ومَآلاته النهائية.
تَصريحاتُ قادة منظومة دول العدوان على سورية، الأرقامُ الفَلكية التي تمّ الإقرار بإنفاقها، هي جزء من وثائق الحرب التي تَشمل الكثيرَ الكثيرَ من الاجتماعات والمؤتمرات والجولات والقرارات والإجراءات و.. و.. التي تَفضح المُخطط وأهدافه والمُنخرطين فيه، بل إنّ هذه الوثائق لا تُمثل ربما إلا جزءاً من حزمة الأدلة التي تُدين – على السواء – الأدوات الرخيصة التي استُخدمت، والمُشغلين المُستثمرين فيها: الدول والحكومات، الكتل والتكتلات، الأفراد والجماعات.
في وثائق الحرب والعدوان تَزدحم أسماء الدول المُنخرطة والمُتورطة كما أسماء قادتها، تَزدحم أسماء شيوخ الفتنة وفتاوى التكفير كما أسماء الخَونة، تَزدحم أعداد المُرتزقة كما أعداد الحُثالات التكفيرية وراياتها، وتَزدحم فيها الوقائع ومَحطات الخَيبة كما مَحطات وقنوات الفبركة والكذب والتزوير!.
الازدحامُ في وثائق الحرب والعدوان مُفردة مَركزية أساسية، وهو ازدحامٌ غير مَسبوق بتاريخ الحروب ومُخططات العدوان والهيمنة الاستعمارية الغربية، ذلك أنّه لم يُسجل يوماً ما تمَّ تَسجيله لجهة عدد الأطراف المُنخرطة بالحرب، دول وكيانات، أجهزة استخبارات وقيادات أركان، مَراكز البحث والمتابعة، ووسائل الإعلام التي تُمارس التضليل والحرب النفسيّة بالكذب والتزوير وبالضغط والتَّهويل.
ما الذي يَعنيه هذا الازدحام؟ لماذا جَرى وما مُسوغاته؟ ما الحاجة له وكيف يُمكن فَهمه؟ كيف لصانعيه أن يَستوعبوا نتائجه؟ وما الدروس المُستفادة التي يَنبغي إدراكها؟
مَعنيان مُتقابلان لازدحام العُهر والإثم في مُخطط الحرب على سورية: الأول يَدل دلالة مُؤكدة قاطعة على أنّ لواشنطن كمَقر للقيادة – ومعها باقي الأطراف المُنخرطة – غايات كُبرى لن تَقبل بأقل من الوصول إليها، ومن أجل ذلك ذهبت إلى هذا المُستوى من التّحشيد المُزدحم بكل الأدوات القذرة وعلى هذا النحو من الامتداد والاتساع والتنويع باستخدامها.
وأما الثاني، فإنما يَدل أيضاً وبشكل قاطع على أنّ واشنطن كانت تَنظر للأمر بتَهيب – خلافاً للآخرين الذين تَوهموا تحقيقَ الغاية بأسابيع – اقتضى منها إعلان النَّفير والاستنفار واستخدام فَوائض الغطرسة والكذب في كل الاتجاهات، واستلزمَ توظيف كل التابعين الخاضعين المُلتحقين بها وبسياساتها على امتداد الجغرافيا الدوليّة!.
ما الغايات الكُبرى من الحرب والعدوان، من الفتنة والإرهاب، من الحصار والعقوبات؟ هل كان المُخطط له أن يُكتفى بمحاولة إضعاف سورية، أم كان التقسيم والفدرلة جزءاً أساسياً في المُخطط؟ ليجري تالياً تَفتيت مُجتمعها وإخضاعها كلياً، وليتم إسقاطُها والقضاء على دورها الوطني، القومي، المُقاوم، وصولاً إلى تَركيعها وإسكات صوت الحق الذي تَصدح به نهائياً، فلا يَبقى للأمة أحدٌ يَحمل قضاياها أو يُدافع عنها.
إنّ ما صار واضحاً جَلياً هو أنّ غايات الحرب والعدوان تَشتمل كلّ ما تَقَدَّم، يُضاف له الكثير مما يَحتاجه الكيان الصهيوني الغاصب، والغرب وأميركا، ويُضاف له الكثير مما تَحتاجه أنظمة العَمالة والتبعيّة في المنطقة وعلى تُخومها وخارجها.
إن مَضامين وثائق الحرب والعدوان تَنطق بكل ما ذُكر، بل تَضج بالمعاني التي تَنطوي على أبعاد أُخرى، ذلك أنّ ثَبات سورية على المَبدأ، تَمسكها بفلسطين قبل الجولان وبالسيادة والاستقلال الوطني، إنما يُعطل مَشاريع الاحتلال والتطبيع والهيمنة والنهب، ويَمنع مشروع تَهويد فلسطين الذي يُتيح تَهجير فلسطينيي 48 تحت عنوان “يهودية دولة الاحتلال” والذي يُمهد لإقامة كيانات أخرى بالمنطقة على هذا الأساس “كردية وغير كردية”، بل إنّ بقاء سورية دولة قوية وقلعة مُتقدمة لمُقاومة هذا المشروع وذاك، إنما يُعطّل مُخطط السيطرة على أوراسيا، اقرؤوا بريجنسكي وأمثاله من المُنظرين لقيام الإمبراطورية الأميركية.
وثائقُ الحرب والعدوان المُستمر على سورية منذ 10 سنوات بالإرهاب التكفيري، بالاعتداءات الصهيونية – الأميركية – الأطلسية، بالإرهاب الاقتصادي، وبمُحاولات التشويه والتضليل والشيطنة، إذا كانت تثبت في هذه الأثناء عُهر الغرب ووحشيته كحالة يَتسم بها، وتَعكس إجرامه وتجاوزاته على القانون والقيم، فإنها، ووثائق ما بعد الحرب، ستُسجل لسورية بأحرف من نور وذهب صمودها الأسطوري، وقدرتها الإعجازية على البقاء والثّبات، وتَمكنها من تكسير المشروع الأكثر خبثاً وشمولية، ما كان ليَبقى للسياسة والحضارة والإنسانية من مَعنى لو نجح في شروره وطُغيانه.
إنّ ما كشفته سَيرورة الحرب العدوانية على سورية، مع ما تَكشف حتى الآن من وثائقها المُتصلة بمنظومة الدول المشاركة، يؤكد قوة سورية وأهمية دورها ومكانتها الإقليمية والدولية، بل يُرسخ من جديد المُعادلة التي تُؤكد أنها مفتاح الحرب والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
الحقائقُ الكثيرة التي لا يتسع المجال لذكرها والمرور عليها، قد تَبدأ الرواية معها من استعراض جبل الوهم والغرور الصهيو – أطلسي الذي تَشظى في وجه أصحابه، ويَرتد الآن عليهم وعلى الأدوات الرخيصة الوهابية الإخوانية العثمانية، لكنها لن تَنتهي بالتأكيد إلا بكتابة صفحات المجد لسورية عمود السماء، التي من ناجز انتصاراتها يَنبثق فجر ولادة نظام عالمي جديد، إذا لم يَنضج بعد ليكون أكثر عدالةً، فمن المؤكد أنه النظام الذي سيَضع حداً للبلطجيَّة والمُتغطرسين.