الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
بات حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل معياراً للاستقرار في منطقة ملتهبة مثل الشرق الأوسط، ولا ريب بأن الأسلحة النووية قد حظيت باهتمام بالغ، وفي هذا السياق، كان ينبغي على المجتمع الدولي تسليط الأضواء على بعض الدول التي لم تكتف برفض التوقيع على المعاهدة التاريخية المبرمة عام 1968 للحد من انتشار الأسلحة النووية فحسب، بل عارضت أيضا الخضوع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعلى سبيل المثال، ينبغي تشديد المراقبة على “إسرائيل” نتيجة لرفضها التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، علما بأنها الجهة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تُطور برنامجا عسكريا نوويا، ولكن ذلك ضرب من المستحيل، إذ يعد البرنامج النووي الإسرائيلي من المحرمات بالنسبة للمجتمع الدولي لأسباب تاريخية وأسباب أخرى ترتبط بالسياسة الخارجية الأميركية.
سياسية واقعية مشكوك بها..
في الوقت عينه، عمد المجتمع الدولي إلى “تعويض” إحجامه عن مراقبة البرنامج النووي الإسرائيلي بتشديد المراقبة على البرنامج النووي لإيران التي وقعت على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ونفذت طواعية البروتوكولات الإضافية، مفسحة المجال أمام عمليات تفتيش غير معلنة لمراقبة امتثالها للمعاهدة.
لقد اتضح للجميع إتباع المجتمع الدولي معايير مزدوجة عوضا عن تطبيق ما يسمى “سياسة واقعية”، ولا يخفى على أحد موضوع برنامج إيران النووي على مدى السنوات الست الفائتة، فرغم عدم تبلوره، فقد وافقت إيران على إبرام الصفقة النووية عام 2015 التي تنص على الحد من برنامجها مقابل إنهاء العقوبات الدولية المفروضة عليها.
وفي حين امتثلت إيران للاتفاق، الأمر الذي أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم يتم تخفيف العقوبات بصورة تامة، علاوة على ذلك، انسحبت أميركا في أيار عام 2018 منه، إلى جانب فرضها عقوبات جديدة وصارمة وغير مسبوقة بحق إيران.
بذلت كل من بريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي الجهود للمحافظة على مسار الاتفاقية، إلا أنه في نهاية المطاف، وتجنبا للغضب الأميركي والعقوبات الثانوية الضارة، امتنعت تلك الدول عن ممارسة نشاطها الاقتصادي مع إيران، مع الالتزام بالعقوبات عليها ما ألحق ضررا بالاقتصاد الإيراني وزعزع ثقة إيران بتلك الدول.
وبعد أقل من ثلاث سنوات، حيث أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن عزمه العودة إلى الاتفاق، تقدمت الولايات المتحدة و”إسرائيل” برواية جديدة حول طبيعة “التهديد” الإيراني، إذ لاقت تلك الرواية صدى لدى المستشارين في بعض الدول الأوروبية الذين رأوا بأنه فات أوان الاتفاقية النووية ولابد من إعادة التفاوض نظرا لسببين رئيسيين، الأول برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، والثاني ما يسميه الغرب “نشاطاتها لزعزعة استقرار المنطقة”.
وإذا ما أخذنا بالاعتراض الأول، فإننا نجد أن الصواريخ البالستية لم تكن جزءا من الصفقة النووية، علما أنها انتشرت في جميع أنحاء العالم وليس في إيران فحسب خلال الفترة ذاتها التي تم فيها التفاوض على الصفقة والتوقيع عليها.
العقوبات القصوى..
ما يثير الاستغراب أن أولئك الذين يسلطون الضوء على تهديد الصواريخ البالستية الإيرانية يؤيدون فرض العقوبات تحت مسمى “سياسة الضغوط القصوى”، ونجدهم يدعون إلى إدراج الصواريخ البالستية الإيرانية في اتفاقية جديدة إلا أنهم أخفقوا في شرح إمكانية تطوير الصواريخ الإيرانية التي يزعمون أنها ستصبح أكثر تهديدا خلال سنوات قليلة في حين تخضع طهران لعقوبات صارمة.
أما فيما يتعلق بمزاعم قيام إيران بـ “نشاطات تزعزع استقرار المنطقة”، فإننا نستذكر في هذا السياق أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 كان من أولى النشاطات المسببة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، فهل من المناسب افتراض أن إيران ستقبل وضع شؤونها قيد التفاوض، في حين يملك خصومها الإقليميون الحرية في الاستمرار بمواصلة نشاطاتهم التي تهدف إلى إلحاق الضرر بمصالحها؟ ومرة أخرى يطلق على تلك التصرفات اسم السياسة الواقعية، ولكن من الحري تسميتها سياسة ازدواجية المعايير.
ومن الجدير بالذكر أن إيران لم تحصل على تخفيف تام للعقوبات المفروضة عليها بعد الحد من برنامجها النووي عام 2015، وعلى الرغم من ذلك تابعت امتثالها للاتفاقية، وفي عام 2018، خضعت لعقوبات أشد صرامة، ومع ذلك فإنها لم تبدأ إلا بعد عام كامل بالتخفيف من التزامها بالصفقة، متقيدة بالبنود التي تنص على مثل هذا الاحتمال، فاتُهمت على الفور بانتهاك الاتفاق، غير أنه لم يوجه اتهام مماثل للولايات المتحدة.
ثغرة المحاسبة..
جرى مؤخرا الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة في العراق وكوريا الجنوبية وعمان، ولكن تنظر إيران إلى تلك الخطوة بأنها غير كافية لتخفيف العقوبات، وبغض النظر عن الآليات والمسارات وخرائط الطريق الهادفة لإعادة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال للصفقة النووية، فإن ما تسعى إيران لتحقيقه يتمثل في إنهاء وضعها كدولة منبوذة دوليا وإقليميا.
من غير المرجح عودة إيران إلى الاتفاق في ضوء إتباع سياسة المعايير المزدوجة بحقها، كما أن أي تقييم للعقود الأربعة الفائتة يشير إلى قيام إيران بزعزعة الاستقرار الإقليمي أمر غير دقيق أو مبالغ فيه، ويجب تحميل اللاعبين العالميين والمحليين مسؤوليات مماثلة، بيد أن الواقع يقول إنه لم تتم محاسبتهم حتى الآن.
وبتقديرنا، ينبغي البدء ببذل الجهود الحثيثة لنزع فتيل التوترات في المنطقة، مع الأخذ بالحسبان الرؤى المستقبلية الجديدة.
المصدر The Iran Daily