الثورة أون لاين – عزة شتيوي:
(أميركا ليست بحاجة إلى السلام في الشرق الأوسط) لعل هذه العبارة التي رددها العديد من المحللين والدبلوماسيين في شرق العالم وغربه خلال عشر سنوات مرت، تفسر أهم أسباب اشتعال الأزمات في المنطقة العربية واستمرارها خاصة في سورية.
لقد غدت هذه الحرب العدوانية غير المسبوقة في تاريخ الحروب المعاصرة تحت مجهر التحليل والتشريح السياسي لمعرفة أسباب الحرب على سورية، والتي لاتزال مستمرة ويتهرب الغرب حتى هذه اللحظة من كل المبادرات الدولية لإيقافها.
يقول الكاتب تيم اندرسون في كتابه (الحرب القذرة على سورية): إن الهجوم على سورية كان ضرورة لواشنطن التي أعلنت صراحة في العام ٢٠٠٦ عن محاولتها خلق شرق أوسط جديد بعد تدمير أفغانستان وغزو العراق وليبيا ومحاولة تدمير سورية.
ما قاله أندرسون بات معروفا ومكشوفا للعالم كله بعد مرور بضع سنوات على اندلاع الأزمة في سورية وهو ما أدركه الشعب السوري منذ الأيام الأولى وما استنتجته أيضا الشعوب العربية التي اختبرت ما يسمى “الربيع العربي”، فالشعارات التي انطلقت منذ عشر سنوات في المنطقة تحت مقولة (الشعب يريد…) مررت خرابا غير مسبوق، وقلبت أحوال الشعوب العربية، حتى بات الواقع الاقتصادي والسياسي يشي بأن واشنطن خططت لمصادرة حناجر المنطقة والمرور تحت عناوين عريضة كالحرية والديمقراطية لتصل إلى هدفها بزلزلة الشرق الأوسط وإحداث تشققات سياسية وميدانية وشروخ اجتماعية على قياس خرائط الشرق الأوسط الجديد التي فردتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس.
فكان لبعض الدول العربية نصيب من الخراب في حين استعصى المشهد على واشنطن في سورية، فسخرت كل أدوات الإرهاب والاحتلال وتحالفاتها السياسية في الحرب القذرة عليها.
والسؤال الذي طالما لازم كل سوري وكل عربي وكل إنسان شاهد حجم الهجمة الغربية على سورية كان: هل سورية فقط من تقف عائقا أمام الشرق الأوسط الجديد لواشنطن؟، وما هي الأسباب التي تراكمت لكل هذا الاستهداف والحرب على سورية؟، ولماذا يعاني السوريون من كل أشكال الحروب الإرهابية والاقتصادية والسياسية والميدانية على بلادهم والتي وصلت حد احتلال واشنطن لأجزاء في الجزيرة السورية وسرقة النفط وحرق القمح وتمرير إرهابيين من كل أنحاء العالم بالتعاون مع دول التحالف الستيني وعلى رأسهم اللص التركي رجب أردوغان الذي وضع تأشيرة دخول أكثر من ٤٠٠ ألف إرهابي، وفكك المصانع في حلب وحاول استعادة حلم السلطنة العثمانية من أوهام تآمره على سورية.
حرب الغاز والطاقة..
كثرت التحليلات والدراسات حول أسباب الحرب على سورية وتم تسييس بعضها، وهناك من بقي يتلطى تحت شعارات أميركا الرنانة في نشر الديمقراطية إلى أن نضجت الحقيقة من امتلاء المشهد بأشلاء ضحايا الإرهاب والخراب الغربي في سورية، فخرج محللون ليقولوا إن الحرب على سورية سببها معارضة الغرب لأن يكون هذا البلد مركزا للطاقة ومرور أنابيب الغاز بسياسته المستقلة عن القرار الأميركي، خاصة أن بعض المخططات التي عرضت لتمرير الغاز فيه كان من الممكن أن تجعل من سورية مركزا مهما للطاقة، حيث أشارت دمشق لاقتراح دول إقليمية مشروعين لعبور خطوط الغاز من سورية، أحدهما من الشمال إلى الجنوب يتعلق بقطر وهذا لم يعرض بشكل علني، والثاني من الشرق إلى الغرب إلى البحر المتوسط يعبر العراق من إيران وهذا المشروع تخشاه أميركا وهو ما كانت دمشق تدرس الموافقة عليه، وهذا ما جعل العديد من الدول المعادية لسورية ترفضه لأنه يتضارب مع مصالح أميركا، وقد يجعل من سورية المتحالفة مع روسيا مركزا للطاقة، سواء كانت كهربائية أو نفطية، أو حتى أن تصبح نقطة تقاطع للسكك الحديدية، وهو احد أسباب الحرب على سورية والذي تلاقى مع تحليلات وحقائق نشرها الكثير من المحللين والمؤرخين الغربيين الذين خرجوا عن سرب التضليل الإعلامي الغربي حول سورية كالمؤرخ السويسري دانييل غانسير الذي قال إن خطوط الغاز وعدم رغبة دول غربية ودول إقليمية في أن تصبح سورية مركزا للطاقة دون أن يكون لهذه الدول النصيب الأكبر، كان من أسباب الحرب الحاقدة عليها، بل أن غانسير ذهب ليفضح الغرب أكثر عندما قال إن الدول الغربية التي تدعي تطبيق الديمقراطية والمناداة لتحقيقها تشن حروباً واعتداءات إرهابية في أنحاء العالم وتواصل تدخلها العسكري والسياسي بالتواطؤ مع وسائل الإعلام سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا للتغطية على الجرائم التي ترتكبها، وهو ما ساهم في إخفاء الحقائق عن شعوب الدول الغربية وتضليل آرائهم وإبعادهم أكثر فأكثر عن الواقع البشع الناتج عن تدخل حكوماتهم في شؤون دول أخرى بما فيها سورية، مشيراً إلى العدوان الثلاثي الذي نفذته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في نيسان عام 2017 بشكل يخالف كل المواثيق والقوانين الدولية.
“إسرائيل” والرقم السوري الصعب..
في الواقع تبدو الطاقة جزءا من أسباب الحرب على سورية خاصة أن واشنطن ومن معها تسعى للسيطرة على قرار سورية التي لم ولن تنضم يوما لقطار التبعية الأميركية، والأكثر من ذلك أنها أي سورية تتحالف مع دول عظمى كروسيا والصين واللتين بصعودهما السياسي والاقتصادي حطمتا القطبية الأحادية لأميركا ومهدتا لعالم متعدد الأقطاب، فغدت سورية بصمودها المعيار الأساسي لتراجع القطبية الأحادية التي تسعى واشنطن لاستعادتها من خلال استمرار الحرب على سورية، الدولة التي لوت ذراع واشنطن والغرب ليس خلال السنوات الماضية بل عبر تاريخ طويل من الاستقلال والسيادة.
فسياسة سورية ومقاومتها لكل مشاريع الغرب الاستعمارية والاحتلالية جعلت منها الرقم الأصعب في تاريخ المشاريع الغربية في المنطقة بما فيها الغزو للبلدان العربية والاحتلال الإسرائيلي، ولعل ابرز أسباب الحرب على سورية هو نضالها المستمر في سبيل القضايا العربية وخوضها المعارك لتحرير الأراضي العربية المغتصبة، ورفضها لسلام الجبناء واحتضانها للمقاومة العربية وهو ما صرحت به وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون عندما قالت إن واشنطن تقف ضد دمشق لأنها لم تبرم سلاما مع “إسرائيل”.
فسورية من أول الدول التي رفضت التطبيع والبيع المجاني للقضية الفلسطينية، ولم تساوم يوما على شبر من أراضيها المحتلة في الجولان العربي السوري بل لقنت “إسرائيل” درسا قاسيا في حرب تشرين التحريرية وحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي “الذي لا يقهر” لذلك تسعى أميركا و”إسرائيل” لإضعافها واستهداف جيشها القوي الذي أثبت بسالة في حروبه السابقة وفي تصديه للحرب الإرهابية على سورية، كما أن قيادة سورية والتزامها بالمقاومة في المنطقة بالتحالف مع العراق وفلسطين ولبنان وإيران يثير قلق العدو الصهيوني ومن خلفه واشنطن التي غزت العراق وتحاول إضعاف سورية لان دمشق عاصمة المقاومة ومنطلقها.
محاولة إسقاط عاصمة المقاومة..
ولأن واشنطن تسعى لإشعال الحرائق في الشرق الأوسط أعطت الإشارات لحلفائها وأدواتها في المنطقة ليشاركوا في مد الإرهابيين بالسلاح وكل أشكال الدعم اللوجستي في الحرب على سورية، والمشاركة في تعطيل الحلول السياسية، خاصة أن تلك الدول كان لها موقف سلبي من حروب خاضتها المقاومة بمساندة من سورية كحرب تموز عام ٢٠٠٦وحرب غزة ٢٠٠٩ فانخرطت بعض الدول الخليجية في الحرب على سورية وكان القاسم المشترك الأكبر هو التبعية لواشنطن والتطبيع مع “إسرائيل” وهو ما حدث فعلا حيث التحقت معظم هذه الدول بقطار التطبيع واشتركت بما سماه الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب “صفقة القرن”.
سورية هي جوهرة المقاومة في المنطقة وهي ميزان القطبية العالمية لذلك اشتعلت الحرب على أرضها ودخل الإرهاب من حدود التآمر التركي والدعم الخليجي والتنسيق الغربي، ولأنها تملك قرارها وسيادتها وتشكل عقدة في وجه مشاريع الغرب في المنطقة تستمر الحرب عليها، وطالما أن واشنطن لم تحقق أهدافها فليس من مصلحتها إحلال السلام في المنطقة، وسورية هي صمام الأمان في الشرق الأوسط لذلك بدأت الحرب عليها وتستمر اليوم بالحصار والعقوبات التي تطول كل مواطن سوري، ثم يخرج الرئيس الأميركي جو بايدن ويحدثنا عن حقوق الإنسان.