ثورة أون لاين -بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
كلما اقتربت الخطوات نحو إعلان موعد للمؤتمر الدولي، بدت الطريق إلى جنيف أبعد مما كانت عليه، مع التعرجات الطارئة التي تستجد، وكلما لاحت في الأفق بوادر انقشاع في السماء الملبدة،
جاءت المعطيات لتنذر بعواصف هوجاء أكثر من السابق.
في العرف السياسي قد يكون الأمر مفهوماً على قاعدة رفع السقف قبل لحظة الاختبار، أو قبل موعد الاستحقاق، لكن في الموقف من المؤتمر الدولي تبدو الأعراف السياسية والدبلوماسية وغيرها محيّدة أو مؤجلة، وخارج دائرة التداول أو الاستخدام، بحكم أن الكثير من تلك المواقف لا تخضع للمحاكمة المنطقية، وبالتالي من الصعب – إن لم يكن من المستحيل – أن تخضع للأعراف المعمول بها.
فما نلمسه لا يدخل في إطار رفع السقف، ولا هو في سياق تحسين أوراق التفاوض أو تقوية شروط الحوار، بقدر ما هو محاولة يائسة لنسف كل ما تحقق عبر لغة رفض لا تكتفي بالشروط التي تشكل تفخيخاً متعمداً، تستهدف الإطاحة بفكرة المؤتمر، بل أيضاً بسلسلة من الخطوات التصعيدية سياسياً وعسكرياً التي تفضي تلقائياً إلى الاستنتاج عملياً بأن المسألة تتعدى محاولة البحث عن موضع قدم إلى تأكيد النيات المبيتة والواضحة، والتي لا تريد للمؤتمر أن يعقد.
عند هذه النقطة تكاد تتقاطع المقاربات المختلفة التي تجد في أغلبيتها أن الظروف الموضوعية لم تنضج، لأن من كان يراهن على المؤتمر باعتباره نقطة عبور نحو تحقيق ما عجز عنه بالإرهاب والعدوان المباشر وغير المباشر، لم يصل إلى نتيجة يمكن التعويل عليها في هذا السياق، ولا يمتلك من الأوراق ما يكفل له ولو بصيص أمل بهذا الاتجاه.
لذلك وجدت أميركا في العودة إلى وضع العصي في دولاب المؤتمر المخرج الوحيد، وقد يكون الورقة الأخيرة التي تجاهر في لعبها قبل التسليم بهزيمة مشروعها، ولا تزال تعوّل على متغيرات يمكن لها أن توظف تحت هذا العنوان لتأخير إقرارها بمتغيرات المشهد الدولي، حيث تتقاطع المصلحة الأميركية مع وظائف الإرهابيين وأجندات مموليهم، وإن اختلفت الغاية أو تباينت الأهداف، وهي لا تتردد في تقديم مصلحتها على سائر الاعتبارات الأخرى، لكنها تجد في ذلك التقاطع ذريعة لتؤخر ما أمكنها من تموضعات القوى العالمية داخل المشهد الدولي الجديد، بما في ذلك إقرارها بانفراط عقد «وحدانيتها» في زعامة العالم واصطفاف قوى عالمية على المنبر ذاته، وربما تقدمت خطوات عن الأميركي في بعض الجوانب.
بين الضغط الروسي الواضح والصريح باتجاه انتزاع موافقة من الدول الممولة للمسلحين على القبول بالحلّ السياسي، وبين برود أميركي لا تخطئه عين ولا تجهله بصيرة، يدخل المبعوث الدولي في سباق الممرات المتعرجة للتوفيق بين متناقضات وأهداف متعاكسة شكلاً ومضموناً، ولتدوير زوايا متعاكسة ومتدرجة من الحادة إلى المنفرجة مروراً بما أضافته الأزمة من زوايا لم تكن معروفة في هندسة السياسة.
الكثيرون يدركون أن الوسيط الدولي تدفعه أمواج الصراع الدولي نحو مطبات ليس من السهل تفاديهاوقد ساهم في بعضها ، لكنه على المقلب الآخر يمتلك ما يكفي من أوراق جمعها وأوراق مُطالب بجمعها، وكلها تزيد من عوامل الحصانة لديه إذا صدق في نيات الالتزام بحيادية مهمته وبدوره، أما إذا رهن حقائبه لما يحمله من أجندات تلك القوى، فقد أضاع آخر ما لديه من رصيد وساطته وحياديته، وهو الذي أخطأ في ذلك سابقاً، ولا نتمنى أن يعيد ارتكاب الخطأ.
قوة الوسيط كانت وستبقى في حياديته، وعوامل قدرته وطاقته، تحددها كفاءته في التمسك بما تمليه، والالتزام بما يقتضيه دوره كوسيط وليس ناقل رسائل أو حامل أجندات, وكان من المفيد أكثر لو أنه يؤجل استنتاجاته الشخصية أو يرحلها إلى مذكراته القادمة حتى لا تسجل على أنها مواقف تتداخل مع مهمته ويفوت الفرصة على من يصطاد في الماء العكر!!.
حين تبدأ نقطة الانطلاق في سباق الممرات المتعرجة، لا حصانة له إلا وساطته وحياديته، وهي حصانة ربما يحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً في مسالك تلك الممرات التي تزداد تعرجاً، وتضيف إليها العصي الأميركية الطارئة والملتوية المزيد من التعرج.. وربما مسالك جانبية مفخخة.
a.ka667@yahoo.com