ثورة أون لاين – خالد الأشهب :
ثمة من يفكر على طريقة نيتشه في التفكيك والتركيب, أن بناء معبد جديد لا يكون إلا على أنقاض معبد قديم, وبمعنى أن الهدم..
وربما الترحيل والحفر أولى خطوات البناء, وعليه يصير الهدم في ظاهره بناء في لبه ومضامينه, ولعل عتاولة الفكر الأميركي المحافظ, والذين ينعتون بالجدد وهم ليسوا كذلك أبداً, اقتبسوا هذه الفكرة المكانية لإقامة صرح مشروعهم في «الفوضى الخلاقة», ولتوفير كل المبررات المنطقية في تسويغ هذا المشروع والترويج لتداعياته واستطالاته الممكنة والمحتملة.. وبمنطق أن العبرة إنما تكمن في النتائج!
غير أن الاستمرار والتواصل الحضاري بين المجتمعات والشعوب, المشهود خاصة في شرقنا الفسيح, ينفي تماماً ضرورة الهدم قبل البناء ويؤكد العكس بجواز وجمالية.. وربما بضرورة قيام المعبد الجديد إلى جانب القديم لا فوق أنقاضه, إلا أن البعض ممن هم منا أو علينا.. وقد استهواه الاقتباس الأميركي, وأسرته نيات البناء فأعمته عن وقائع الهدم, ظن أن كيمياء تفكيك العالم وإعادة تركيبه هي ذاتها كيمياء الهدم والبناء إذ لا بد أن يرى الخراب أولاً كي يبدأ التفكير في البناء!
شيء من هذا الخداع البصري قاد البعض إلى لعب دور الثورة والثوار في أرض غير مخصصة بعد للبناء أبداً.. أقله في الراهن التاريخي, فبادر إلى الهدم وتمادى حتى حدود التخريب, وساوى عن جهل أو عن غباء أو عن معرفة خبيثة بين بناء العمران وبناء الإنسان, وتوهم أن سهولة إعادة بناء هذا بسهولة إعادة بناء ذاك.. مع أن اقتلاع إسفين من صخر أهون ألف مرة من اقتلاع فكرة من عقل.. فكيف بين دق الإسفين وغرس الفكرة, غير أنه وحين اكتشف بالعين المجردة أن لا بناء أبداً سيتبع هذا الهدم انكمش أولاً وانزوى, ثم لم يلبث أن نأى بنفسه وقد عاف احتمال مسؤولية ما يجري, فتنصل وابتعد وغسل يديه من دماء الشهداء والضحايا.. وكما لو أنه بلا خطيئة أبداً؟
ثقافة المثقف مسؤولية وامتياز معاً, والامتياز مرهون بالمسؤولية, هي شرطه وهو تابعها وظلها, فإذا غابت المسؤولية صار الامتياز عبئاً, والمسؤولية ليست خزاناً للمعلومات والمعارف يجري اجترار ما فيه على قارعة الرصيف والمقهى ثرثرة و»علكاً « وقت السلم والأمان الاجتماعي, فإن غاب الأفق عن الثقافة والمثقف ولم يقرأ الخواتيم منذ المقدمات, وإن غاب الفعل في ترجمة الثقافة عضوياً إلى سلوك وعرف وتقليد.. سقمت الثقافة بحمى الامتياز وأسقمت من تطلع إليها وتفاءل بها, وسقم المثقف وأسقم معه من تطلع إليه وتفاءل به.
أيها المثقفون السوريون, ثمة أرض فسيحة لتبنوا كل معابدكم إن كنتم حقا بنائين, ولتنالوا كل امتيازاتكم إن كنتم حقاً مسؤولين, فلا تغسلوا أيديكم من غبار دق الأسافين أو اقتلاع الأفكار من صخر العقول قبل أوان التوبة والتطهر, ولا تتناءوا في جهات الأرض بحثا عن حريات بلا وطن, وعن ديمقراطيات بلا ديمقراطيين!
أيها المثقفون السوريون.. انظروا في مرآة وطنكم المذبوح ولو لمرة.. عاينوا قسماتكم وملامحكم ما غار منها وما نتأ وتساءلوا: هل عرفتم هذه الوجوه من قبل؟؟