«العولمة.. استلابٌ وطمسٌ للهويّات الثقافية»

الملحق الثقافي:حوار: خالد عارف حاج عثمان:

التعريف بالعولمة، وتجلياتها وآثارها، وكيفية مواجهة شرورها، والتحصين ضد سلبياتها، هي مواضيعٌ تناولتها الأديبة والباحثة المغربية “مديحة طوقي” التي سعينا إلى محاورتها للحديث عن إشكالية العولمة، وعن التعاريف والمصطلحات المرتبطة بها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فكان أن رسمت لنا الإطار العام للعولمة العالمية، وتجلّياتها في الوطن العربي، إضافة إلى قضايا أخرى تناولتها في الحوار الذي بدأناه بسؤالها:
 كيف تبحث “مديحة طوقي” في ظروف وأسباب “العولمة”، وما يتصل بها من تعاريف ومصطلحات وتطوّر تكنولوجي؟.
  يمكن الجزم أن العالم المعاصر منذ مطلع التسعينيات، طبعته مجموعة من التغيرات المتسارعة في كلِّ جوانب الحياة، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بفضل التطورات التكنولوجية والتقنية التي لحقت به، والتي تندرج بدورها في إطار العولمة. هذه الأخيرة، شكَّلت مفهوماً أثار جدلاً كبيراً على المنصة الدولية، تعدَّدت تعاريفها بتعدد الزوايا التي تُدرس منها، ولعلَّ أهمّ تعريف لها، قول المفكر “عبد المنعم الحنفي”: “العولمة هي رسملة العالم، وتتم السيطرة عليه في ظلِّ عامية المركز، وسيادة نظام العالم الواحد، وبذلك تتهاوى الدول القومية، وتضعف فكرة السيادة الوطنية، وسيطرة الثقافة العالمية.
 وماذا في الأبعاد المتعددة للعولمة، ومظاهرها؟.
  تأخذ العولمة عدة أبعاد، أهمها البعد الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي، ولكلِّ هذه الأبعاد خصائص وتأثيرات على المجتمع.
هذه التغييرات التي شهدها العالم المعاصر، بفضل النظام العالمي الجديد والعولمة، أثَّرت بشكلٍ كبير على الحياة الاجتماعية والثقافية للأفراد، وعلى منظومة القيم الاجتماعية والهوية الثقافية.
 هل هنالك إيجابيات ومزايا للعولمة؟.
  لاشك أن التقدم الذي يشهده العالم الرقمي وليد العولمة، له إيجابيات ومزايا كإلغاء المسافات بين الدول وتقصيرها، مما جعل العالم أشبه بقرية إلكترونية صغيرة، يسهل خلالها الاتصال والتواصل بين المجتمعات، عبر شبكات الأنترنت وأجهزة البث الإذاعي والتلفزي، كما يساهم في مشاعية المعرفة، إذ أصبحت المعلومات متوفرة في كلِّ وقتٍ وحين، ويسهل الحصول عليها .
ولهذا التقدُّم تأثير على سوق العمل، عبر توفير فرصه، وتوسيع آفاق التجارة لتظهر التجارة الإلكترونية التي تساعد في تطوير أساليب العيش، وتولد وظائف أفضل وأكثر إنتاجية للجميع، بحيث استطاعت أن توفر أكثر من أربعة ملايين منصب عمل للمواطنين، في كل أرجاء العالم، ولهذا التقدم انعكاس إيجابي، كمحاربة البطالة وأشكال الفقر …
 ما السلبيات التي أفرزها التقدم التعليمي، والعولمة؟.
  إن التقدم التكنولوجي الذي جلبته العولمة، يتَّسم ببعض السلبيات التي لابد من الإضاءة عليها، كتقسيم العالم الى قسمين: متقدّم يمتلك أسس اقتصاديات العالم ويتحكم في مصير الشعوب، ونامٍ يعرَّف أيضاً بالعالم الثالث، يعيش تبعية دائمة للعالم الأول، الذي يتحكم في ثروات الثاني ويتصرف فيها بما يخدم مصالحه.
هذه التبعية التي يعيشها عالم الدول النامية، لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تتوسَّع وتتعولم إلى أن تشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية، فشعوب الدول النامية تقلِّد العالم الغربي في جميع الممارسات اليومية، بكل ما يكتنفها من سلوكيات وأفكار ومعايير وقيم، نأخذ على سبيل المثال، اللغة الأم، التي تعتبر بمثابة روح لجماعة معينة.
فاللغة أصبحت تتغرَّب وتتلاشى وتتهمش، لتحلّ محلها اللغة الإنجليزية وهذه الأخيرة، تعتبر بمثابة حصان طروادة يمهد للهيمنة الأميركية لكي تفرض أجندتها على باقي الدول، مما يلغي الخصوصية اللغوية لجماعة معينة، ويحولها إلى شعب تائه، يسهل احتواءه داخل إطار كوني واحد، يتماشى مع مصالح القوى الدولية.
إضافة الى التقليد في أنماط السلوك، المأكل والمشرب والملبس والمسكن وكل الممارسات اليومية، أفضل نموذج هو اللباس، فمثلاً أصبح اللباس العربي التقليدي الأصيل، لباساً مناسباتياً وشبه منسي لدى بعض الطبقات، ليحلّ محله اللباس الغربي بجميع ماركاته. الخ.
المثير للاستياء، أن التبعية انتقلت لتشمل مجالات الطعام والمطبخ العربي أيضاً، فقد غدت الأطباق العربية، على اختلافها وتنوعها، وارتباطاتها البيئية والمجتمعية العربية، موسمية ومناسباتية، وحلّت محلها الأطباق الغربية الماكدوناليزية مثلاً، وحتى العادات والتقاليد في هذا المجال تغيرت، فبدل أن يجتمع أفراد الأسرة العربية، الشامية، المصرية، العراقية، المغربية.. الخ على مائدة الطعام، ويتناولون وجباتهم المعروفة والمتوارثة، غدا كلّ فرد من أفراد الأسرة، يستفرد بوجبة سريعة، داخل غرفته منعزلاً عن العالم الأسري، ومرتبطاً بالعالم الافتراضي، وليد تكنولوجيا العولمة. من هنا يتبيَّن أن العولمة تشِّجع قيم الانعزال والانفرادية، قيم الثقافة الرأسمالية التي تعمل على هدم البنيان الثقافي لجماعة معينة، كما تشجع ثقافة الاستهلاك، وتحقّر العمل اليدوي التقليدي، وتوجِّه الخيال والسلوك، نحو نمط العيش في الغرب…
ننتقل إلى المجال الفني، حيث أصبحت الأغنية العربية التقليدية من الطراز القديم كما توصف، بسبب احتلال الاغاني الغربية مكانة كبيرة داخل الساحة الفنية في كلِّ المجتمعات والشعوب العربية وغيرها، وأقبلت شرائح المجتمع على سماعها والتأثّر بها، لأنها استغلّت مبدأ إلغاء الحواجز والعوائق بين الأسواق، وتزاحم وتطور تكنولوجيا المعلومات، وتراجع الأغنية الأصيلة…
* وماذا عن التبعية للغرب والقطب الواحد، ونتائجها الكارثية على المجتمعات النامية، ومنها المجتمع العربي؟.
** التبعية التي تعيشها دول العالم النامي، تؤدي إلى تكريس الفوارق الطبقية بين العالم المتقدم والعالم النامي، وتعمّق الهوة التي أدّت إلى خلق إحساس بالدونية والغلبة لدى المجتمعات النامية أو الفقيرة، ولم تر إلا التقليد سبيلاً للالتحاق بالعالم المتقدم، فالمغلوب مولّع دائماً بتقليد الغالب، حتى ولو كان تقليداً للمساوئ والمتناقضات والسطحيات.
هذه التبعية تؤدي على المستوى الثقافي إلى خنق ثقافة الشعوب، وجعلها مجرد فولكلور، وبالتالي تكريس الفراغ الفكري والقيمي والثقافي، بسبب إملاء سياسة ثقافية نتائجها مفجعة على النسيج الثقافي والهوية. من هنا يتضح أن المجتمع النامي الذي يقع تحت وطأة العولمة، يقلِّد العالم المتقدّم في شتى الممارسات اليومية، إلى درجة الذوبان فيه، مما يبعده عن مبادئ ومعايير ثقافته الأصلية، في إطار التبعية والتقليد الأعمى الألي، المجرد من الوعي والشعور .
إن تكنولوجيا العولمة، بإزالتها الحواجز والحدود بين مختلف الشعوب، وتذويبها في وعاء متجانس، تولّد ثقافة أحادية وذهنية أحادية، وهي تمارس بآلياتها عنفاً رمزياً وعدائياً ضد الهوية المحلية لمجتمع معين، واختراقاً ثقافياً، الأمر الذي يؤدي الى اختلال التوازن الأخلاقي والمعرفي، وجعل الشعوب أشبه بقطيعٍ بلا هوية وبلا ثقافة، مما يسهّل السيطرة عليه وتوجيهه إلى المكان المرغوب فيه.
 ماهي الممارسات المشبوهة والمثيرة للدهشة، في العولمة؟.
  من المثير للدهشة، أن العولمة وما تمارسه من اعتداء على الهوية المحلية لجماعة معينة، تغلّفه بذريعة التحديث والانفتاح، فما تمارسه العولمة حالياً يتجاوز بشكلٍ كبير قيم الانفتاح والتحديث، ما تمارسه حقيقة هو طمس للهويات الثقافية، وتذويب الرموز والعادات والتقاليد التي تعتبر خصوصية متفردة لكلّ مجتمع، فما أحوجنا إلى ترسيخ ثقافة الانفتاح على الأخر والتحديث، لكن دون الوصول إلى درجة الذوبان والتبعية، كما قال “المهاتما غاندي”: “عليَّ أن أفتح نوافذ نافذتي، لكي أستقبل رياح الثقافات الأخرى، شريطة ألا تقتلعني من جذوري”.
 برأيك، كيف نحصن أنفسنا وأجيالنا، لكيلا تقتلعنا وتذرينا رياح العولمة والاختراق؟.
  ما يهمني هنا، الإدلاء برأيي المتواضع، بخصوص بعض الهجمات والاعتداءات التي تتعرض لها الثقافات والهويات في مختلف أنحاء العالم، ومنها مجتمعنا العربي، من طرف العولمة وآلياتها، تحت ذريعة الانفتاح والتحديث، وكلّي أمل أن تعمل الجهات الحكومية والمنظمات والجمعيات، على ضرورة التنبيه إلى خطورة هذه الظاهرة لدى الأجيال …
خاتمة. .
نواجه العولمة، بتحصين الأسرة والناشئة، وتربيتهم على ثقافة الحفاظ على الهوية الثقافية لبلادهم، والافتخار بها مع ضرورة الانفتاح على الغير، واحترامه وحواره ندَّاً للندّ، وعدم الانجراف والتقليد الأعمى لكلِّ ما يأتينا أو يتسرَّب إلينا عن طريق الإعلام المدسوس والمضلل، وتكنولوجيا المعلومات الغربيين، وهذا لن يحدث، إلا بتضافر كافة الجهود، الفردية والمؤسساتية والحكومية والمجتمعية.
أيضاً، بتكاتف جهود التربية والثقافة والإعلام، والمنظمات والأندية والجمعيات التطوعية وغيرها، وبوضع استراتيجيات وطنية وقومية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وفي الميدان. .

التاريخ: الثلاثاء30-3-2021

رقم العدد :1039

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة