الثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:
يجدد الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي وسائل استعماره للشعوب ونهب خيراتها والعمل على استلابها بطرق جديدة تبعده عن المواجهات المباشرة…بل يمكن القول إنه يريد من هذه الشعوب نفسها أن تطلب منه -أي الغرب- أن يكون وصياً عليها وتعمل على دفع أتاوات له فهو يؤمن الحماية لها.
ألم يكن ترامب واضحاً وصريحاً عندما قال نحن نؤمن حماية دول معينة وعليها أن تدفع ثمن هذا الجهد.
واذا بحثنا اكثر في عمق الوصول إلى هذه النقطة نجد أن العمل على تهيئة نخبة محددة ممن يسمونهم نخباً مثقفة تعمل وفق أجندة الغرب في الثقافة والفكر والإبداع من أجل احتلال واستعمار العقل وبالتالي أن تهيئ شعوبها لمثل هذا التدخل وبالتالي أن يبدو وكأنه فعل طبيعي بل عمل حضاري وتثاقفي لكنه ليس إلا استلاباً للعقل.
والآداب اول هذه الوسائل بل أكثرها إغراء وقدرة على شد وجذب الآخر إلى موقع ما.. فالشعر والرواية والقصة ومذاهب النقد هي التي تحفر مجراها في العقول وتساهم في ترسيخ قيم محددة والعمل على تنوير الشعب والكتاب والمفكرون هم الطليعة التي يقتدي بها الجمهور.
وهنا نشير إلى أن الدول الغربية تعمل على هذا النهج من خلال دعم كتابها ومفكريها وتصدير نتاجهم الفكري والثقافي ودعمه بكل الوسائل.. وكانت فرنسا على سبيل المثال في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قد خصصت المليارات لدعم مراكزها الثقافية في الخارج ودعم من يترجم إلى اللغات الأخرى ومن يتعلم الفرنسية.
ولا نأتي بجديد اذا ما أشرنا إلى ما قامت به بريطانيا ايضاً في هذا المجال ما حدا بالكثير من الدول الغربية إلى السباق في الإنفاق على الاستثمار في الترويج لكتابها ومفكريها.
وضمن هذا الإطار تعمل ايضاً الشركات الغربية العابرة للقارات.. شركات النفط والتعدين وغيرها فهي تخصص جزءاً من أرباحها لدعم البرامج الثقافية التي تضعها مراكز دراسات غربية بل وتذهب أبعد من ذلك حين تعلن عن منح دراسية وكذلك تخصيص حقول محددة على الراغب بها أن يتقدم بطلب لتمويله.
ومع وسائل التواصل الحديثة غدا الامر اكثر ليونة وسهولة بالنسبة لمن يدير مثل هذه البرامج من خلال الرصد والتحليل والمتابعة واختيار النخب التي تمثل قيمة مضافة في أوطانها والعمل على اختراقها من خلال أساليب الإغراء الإعلامي الذي يأخذ أشكالاً كثيرة.
ومن ثم دفعها لتكون الواجهة التي تحرك الرأي العام وتكون قادرة على ضبط إيقاعه كما يحلو للغرب أن يكون.
وقد تحقق الكثير من هذا في العالم الثالث المستهدف بكل ما فيه من تراث وقيم وثقافات.. وتبدو الرواية في طليعة الفنون التي عمل الغرب على توظيفها من خلال كتابها وأخذهم إلى ساحة الخواء الفكري والأدبي ومن ثم العمل على الترويج للغرب.. وهذا ما يتطلب تفصيلاً في الكثير من محطاته في قادم الأيام. ولا سيما في الأدب الإفريقي الذي بدأ واضحاً أكثر من غيره في عمل بعض الكتاب الأفارقة الذين وضعوا انفسهم وإبداعهم في خدمة الاستعمار الغربي والتمهيد لاستلاب العقول وقد توقف عند هذه الظاهرة الكاتب نغوجي واثيونغو في كتابه المهم الذي حمل عنوان تصفية استعمار العقل.