الثورة أون لاين – د. ذوالفقار علي عبود:
تشير مراكز الدراسات الأميركية إلى أن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، ستدخل مرحلة حاسمة في عشرينيات القرن الحالي، حيث سيكون هذا العقد عقد العيش في خطر لكلا القوتين.
وبغض النظر عن الاستراتيجيات التي يتبعها الجانبان أو الأحداث التي ستتكشف، فإن التوتر بين الولايات المتحدة والصين سوف يتصاعد وستشتد المنافسة؛ لكن هذه المنافسة لن تصل إلى مرحلة الحرب العسكرية.
فلا يزال من الممكن للبلدين وضع حواجز حماية من شأنها منع وقوع كارثة: إطار عمل مشترك لما يمكن تسميته “إدارة المنافسة الاستراتيجية”، من شأنه أن يقلل من خطر تصاعد المنافسة إلى صراع مفتوح.
من الجانب الصيني، تزداد ثقة الحكومة الصينية في أنه بحلول نهاية العقد الحالي، سيتجاوز اقتصاد الصين أخيراً اقتصاد الولايات المتحدة باعتباره الأكبر في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي بأسعار صرف السوق، وقد تستبعد النخب الغربية أهمية ذلك المعلم، لكن الصينيين يعملون على ذلك بالفعل.
وبالنسبة للصين، فإن احتلال المركز الأول بحجم اقتصاد هائل هو مسألة بالغة الأهمية، حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة ثقة بكين وإصرارها ونفوذها في تعاملاتها مع واشنطن، وسيجعل البنك المركزي الصيني أكثر عرضة لتعويم اليوان، وفتح حساب رأس المال الخاص به، وتحدي الدولار الأميركي باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية.
في غضون ذلك، تواصل الصين التقدم على جبهات أخرى أيضاً، حيث تهدف خطة السياسة الجديدة التي تم الإعلان عنها في خريف 2020، إلى السماح للصين بالسيطرة على جميع مجالات التكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2035، وتعتزم بكين الآن إكمال برنامج التحديث العسكري بحلول عام 2027 (سبع سنوات قبل الجدول الزمني السابق)، والهدف الرئيس هو منح الصين ميزة حاسمة في جميع السيناريوهات التي يمكن تصورها للصراع مع الولايات المتحدة على تايوان، وعلى الولايات المتحدة أن تقرر كيفية الرد على أجندة بكين الحازمة وبسرعة، وإذا كانت ستختار الفصل الاقتصادي والمواجهة المفتوحة، فستضطر كل دولة في العالم إلى الانحياز إلى جانب واحد ما سوف يزيد من خطر التصعيد.
هناك شكوك بين صانعي السياسات والخبراء، حول ما إذا كان بإمكان واشنطن وبكين تجنب مثل هذه النتيجة، ويشك الكثيرون في أن قادة الولايات المتحدة والصين يمكن أن يجدوا طريقهم إلى إطار عمل لإدارة علاقاتهم الدبلوماسية وعملياتهم العسكرية وأنشطتهم في الفضاء الإلكتروني ضمن معايير متفق عليها من شأنها تحقيق أقصى قدر من الاستقرار وتجنب التصعيد، وإفساح المجال لكل من القوى التنافسية والتعاونية. ويحتاج البلدان إلى التفكير في شيء يشبه الإجراءات والآليات التي وضعتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لتنظيم علاقاتهما بعد أزمة الصواريخ الكوبية – ولكن في هذه الحالة، دون المرور أولاً بتجربة الاقتراب من الدمار الشامل.
قد تتضمن إدارة المنافسة الاستراتيجية وضع حدود صارمة معينة على السياسات والسلوك الأمني لكل دولة، ولكنها ستسمح بالمنافسة الكاملة والمفتوحة في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والأيديولوجية. كما أنه سيمكن واشنطن وبكين من التعاون في مجالات معينة، من خلال الترتيبات الثنائية وكذلك المنظمات متعددة الأطراف، وعلى الرغم من صعوبة إنشاء مثل هذا الإطار، إلا أن القيام بذلك لا يزال ممكناً، لأن البدائل قد تكون كارثية.
في الجانب الأميركي، دائماً ما تأتي تصريحات وزارة الخارجية المنمقة تجاه الصين بنتائج عكسية تماماً، لأنها تقوي يد الحكومة الصينية في الداخل، حيث يسمح لها بالإشارة إلى التهديد الأجنبي لتبرير إجراءات الأمن الداخلي، ما يسهل على الحكومة الصينية حشد الشعب الصيني والتضامن ضد التهديد الخارجي.
الصين وسياسة حرق المراحل:
تصميم الصين على حرق المراحل، وإعلانها الأخير عن خطة اقتصادية تمتد حتى عام 2035، رغم أنها واجهت بعض الصعوبات في أوائل عام 2020 بسبب تباطؤ الاقتصاد ووباء COVID-19 ، الذي تسبب بدء انتشاره في الصين إلى وضع البلد في موقف دفاعي. ولكن بحلول نهاية العام انتصرت الصين في حربها البطولية ضد فيروس كورونا الجديد. وفي الواقع، تم دعم مكانة الرئيس الصيني بشكل كبير من خلال الإدارة الشائنة للوباء في الولايات المتحدة إبان إدارة الرئيس ترامب، وعدد من الدول الغربية الأخرى، والتي سلطت الحكومة الصينية الضوء عليها كدليل على التفوق المتأصل للنظام السياسي والاقتصادي الصيني.
وهناك ما يدعو الحكومة الصينية للاعتقاد بأن الصين يجب ألا تخشى بعد الآن أي عقوبات قد تفرضها الولايات المتحدة عليها، أو على المسؤولين الصينيين الأفراد، رداً على اتهامات زائفة بانتهاكات حقوق الإنسان.
فمن وجهة نظر الولايات المتحدة، أصبح الاقتصاد الصيني الآن قوياً بما يكفي لتحمل مثل هذه العقوبات، ويمكن للحكومة حماية المسؤولين من أي تداعيات أيضاً، علاوة على ذلك، من غير المرجح أن تتبنى دول أخرى عقوبات أميركية أحادية الجانب خوفاً من انتقام صيني. ومع ذلك، تظل الحكومة الصينية حساسة للضرر الذي يمكن أن يلحق بالعلامة التجارية العالمية للصين من خلال استمرار الولايات المتحدة بإثارة دعاية معاملة الصين للأقليات. ولهذا السبب أصبحت بكين أكثر نشاطا” في المنتديات الدولية، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث حشدت الدعم لحملتها للرد على المعايير العالمية الراسخة بشأن حقوق الإنسان، بينما تهاجم بانتظام انتهاكات الولايات المتحدة لتلك القواعد بالذات. كما تعتزم الصين تحقيق الاكتفاء الذاتي لدرء أي جهد من جانب واشنطن لفصل اقتصاد الولايات المتحدة عن اقتصاد الصين أو استخدام سيطرة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي لمنع صعود الصين.
اقتصاد الدوران المزدوج:
تسعى القيادة الصينية لتحصين ما تصفه “اقتصاد الدوران المزدوج” للصين: أي تحوله بعيداً عن الاعتماد على الصادرات ونحو الاستهلاك المحلي كمحرك طويل الأجل للنمو الاقتصادي وخطته للاعتماد على جاذبية أكبر في العالم، وفتح السوق الاستهلاكية لجذب المستثمرين والموردين الأجانب إلى الصين بشروط صينية. كما أعلنت مؤخراً عن استراتيجية جديدة للبحث والتطوير التكنولوجي والتصنيع لتقليل اعتماد الصين على واردات بعض التقنيات الأساسية، مثل أشباه الموصلات. وخلصت بكين إلى أن الولايات المتحدة لن تخوض أبداً حرباً لا تستطيع الفوز بها، ولكن مشكلة هذا النهج كما ترى الولايات المتحدة، تكمن في أنه يعطي الأولوية للقطاع العام والشركات المملوكة للدولة على القطاع الخاص الصيني المجتهد والمبتكر ورواد الأعمال، والذي كان مسؤولاً بشكل أساسي عن النجاح الاقتصادي الملحوظ الذي حققته البلاد على مدى العقدين الماضيين.
في النهاية، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية عليها الاستعداد لأن تتخلى عن قيادتها للنظام الاقتصادي الدولي لمصلحة الصين، ولا سيما في ضوء اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران، واستعداد الصين وروسيا للتخلي عن العملة الأميركية في تعاملاتهما الاقتصادية.