الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
وسط التحولات والعواصف العاتية، ولد حزب البعث العربي الاشتراكي، لتشكل ولادته حدثاً فاصلاً في تاريخ المنطقة، بعد أن انتشل شعوب المنطقة من مستنقعات اليأس التي كادت أن تغرق فيها، وقد دفعتها إليها عنوة رياح الإحباط واليأس الذي وجد طريقه سهلاً إلينا في تلك المرحلة الفاصلة من تاريخ أمتنا العربية.
ولد حزب البعث العربي الاشتراكي في مرحلة عصيبة وبين حدثين مهمين وفاصلين في تاريخنا الحديث، الأول هو حدث الاستقلال (1946)، والثاني هو حدث الاحتلال، احتلال الكيان الصهيوني لدولة فلسطين (نكبة فلسطين 1948)، ليستمد من هذين الحدثين معظم مبادئه التي انعكست ثباتاً وقوة وصلابة في الموقف والدفاع عن حقوق الوطن والأمة.
لقد بدأ حزب البعث العربي الاشتراكي مشواره الصعب، والذي لا يزال متواصلاً بكل عزيمة وحيوية، بدأ بحمل تطلعات وآمال الجماهير العربية التي كانت تتوق للحرية والديمقراطية والتحرر من نير الاستعمار والتبعية المطلقة للخارج، ومع تلك البداية بدأ الاستهداف الممنهج للبعث فكراً وتنظيماً وقيادة، ليس لكونه الدافع والمحرض على الانعتاق من عبودية الاستعمار فحسب، بل لأنه كان ولا يزال وسيبقى حاملاً للواء العروبة والقومية وتحقيق طموحات وأحلام الجماهير العربية بالوحدة، حيث تبنى الفكرة القومية بكل تفاصيلها وأبعادها حرصاً وخوفاً منه على بقاء الأمة العربية كروح وفكر وواقع لا بد أن يتحقق في يوم من الأيام مهما اشتدت المحن وتكاثر الأعداء.
لقد واجه البعث خلال مسيرته الطويلة ولا يزال تلك المشاريع الصهيونية والاستعمارية التي تجهد للقضاء على الطموحات القومية والعروبية والنضالية في عقول وقلوب وأحلام الشعوب العربية، بعد أن أصبحت جُل الأنظمة العربية مدمنة على الهزائم والنكسات ومسكونة بهوس التبعية والخنوع والمال وجنون الصراعات والأحقاد الطائفية، وقد استطاع حزب البعث بأفكاره وقيمه ومبادئه القومية والوطنية الصمود والمقاومة وتحقيق الإنجازات تلو الإنجازات، وهو الأمر الذي ساهم برفع منسوب التآمر عليه لاغتيال مبادئه وأفكاره الوطنية والقومية والنضالية بشكل عام.
لقد شكل حزب البعث العربي الاشتراكي القاعدة المتينة لكل القوى العربية المقاومة والرافضة للاستعمار والاحتلال بكافة أشكاله وألوانه السياسية والعسكرية والثقافية والمجتمعية والتي تهدف إلى اغتيال الروح العربية وتحطيم العقل العربي ومحو الذاكرة العربية بأصالتها وتاريخها، وصولاً إلى السيطرة التامة على المنطقة العربية بعد تقسيمها مرة جديدة إلى دويلات صغيرة عرقية وطائفية، بعد أن نجح في تقسيمها في المرة الأولى ثم سرقها ونهب تاريخها وتراثها وثرواتها كما يفعل أعداء الوطن اليوم في سورية والعراق واليمن وكل أرجاء المنطقة.
من أبرز المراحل النضالية لحزب البعث، كانت قيادته للجماهير العربية في ثورة الثامن من آذار في العام 1963، وقيامه بالحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970، والتي شكلت فيما بعد الدافع الحقيقي لخوض حرب تشرين التحريرية التي حررت الأرض والإنسان، والتي قضت على ما أعلنته وأشاعته “إسرائيل” من أنها قوة لا تقهر، والتي كانت اللبنة الأساسية لولادة وتأسيس الكثير من حركات المقاومة العربية في البلدان العربية والذي لمس الجميع انتصاراتها في السنوات الأخيرة على العدو الصهيوني سواء في لبنان أم في فلسطين المحتلة.
على هذه القاعدة الصلبة والمتينة التي أرساها، يواصل حزب البعث اليوم ما بدأه قبل عقود من مقاومة للاستعمار والاحتلال وكل مشاريع التقسيم والتفتيت التي تستهدف جسد الأمة العربية، معاهداً الجماهير العربية التي سلمته فيما مضى، مفاتيح خلاصها وحريتها وأحلامها، أنه لن يتنازل قيد أنملة عن مبادئه وأهدافه، ولن يبارح مكانه وخندقه مهما اشتدت الخطوب والمحن ومهما تكالب الخونة والأعداء، لا سيما في ظل الحرب الإرهابية المتواصلة التي لا تزال تستهدف شعبنا ووطننا بهدف تقسيمه وتفتيته وثنيه عن حمل لواء المقاومة والدفاع عن حقوق الشعوب العربية.