الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
تبدو المنتجات الفكرية والثقافية المصدَّرة من دول الغرب ونهجها الليبرالي الجديد المتوحش تحت عناوين عريضة جذابة وبراقة أهمها (التطور والتقدم الحضاري) مثاراً للسخرية والاشمئزاز، والصدمة أيضاً، لا سيما تلك القادمة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، التي تعتبر نفسها أهم حصون ومصادر ومنابع الديمقراطية والفكر والحضارة كما يروجون عبر شعاراتهم الزائفة والخادعة، وباعتبارهم من أكثر الدول التي تستعرض عضلاتهم في حماية الحريات والحقوق والديمقراطيات.
في الحقيقة تكفينا، ودون الغوص في تفاصيل مضامين تلك التشكيلة الواسعة والمتنوعة من المنتجات والسلع الفكرية والحضارية الغربية الممزقة والمستعملة والمهترئة جداً، والتي تفوح منها رائحة الموت والخراب، تكفينا المقاربة من زاوية بالغة الوضوح والدلالة والأهمية وسعة الرؤيا، وهي زاوية الإحصاءات والأرقام التي تصدر عن وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية الغربية والأممية، حتى نتبين حجم الكارثة على مجتمعاتنا، إذا ما كتب النجاح لهذا الغزو الفكري الغربي الممنهج من قبل دول تكاد تكون مقبلة على الانهيار القيمي والأخلاقي والثقافي والمجتمعي بفعل تلك المفاهيم والأفكار التي أينعت ثمارها في مجتمعاتها، والتي تقوم بتصديرها إلينا وقد غلفتها بعنوان جاذب ومحرض وهو (التحضر والحضارة ومواكبة التطور).
في أميركا وحدها التي يسيل لعابها وهي تلهث وراء السيطرة على العالم واحتلال معظم دوله وراء ستارة نشر مفاهيم الحضارة والحرية والديمقراطية، هناك ما يقارب 7314 جريمة تمييز عنصري في العام الماضي، هذا بحسب تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي في 17 تشرين الثاني 2020، مقارنة بـ7120 جريمة سُجلت في العام الذي سبقه، لتصل إلى أعلى معدل لها منذ نحو عشرة سنوات.
كذلك وكالة (بلومبيرغ)، وهي وكالة أنباء أميركية مقرها نيويورك، أكدت في تقرير لها في السادس من آذار الماضي أن الإحصائيات المتعلقة بجرائم العنف، بينت ارتفاع معدلات جرائم القتل في الولايات المتحدة بشكل مقلق، لكن الأخطر في التقرير هو إشارته إلى أن الشيء الثابت في تلك الجرائم، هو أن معظمها يكون داخل الأسرة، وهنا تتجسد الدلالات والأبعاد والآثار الحقيقية لمفاهيم الحضارة الغربية التي تدعو إلى نسف كل القيم الإنسانية والأخلاقية على قاعدة تحرر الفرد من كل القيود والضوابط الأخلاقية والإنسانية.
بدورها صحيفة “نيويورك تايمز” قالت في تقرير لها في الحادي عشر من آب 2020 إن هناك تصاعداً مقلقاً بجرائم القتل والعنف في الولايات المتحدة وفي معظم المدن الأميركية وبنسبة ارتفاع 37%.
في تقرير آخر لمكتب التحقيقات الفدرالي ( إف بى آي )، أكد أن عامي 2016 و2015 كانا الأكثر كارثية وصدمة، بسبب عدد جرائم القتل والعنف والسطو التي وقعت في أميركا، حيث بلغ عدد جرائم القتل والعنف في العام 2016 نحو ( 7 ملايين و 919 ألفاً و 35 جريمة)، فيما وصل عدد الجرائم عام 2015 إلى (7 ملايين و 993 ألفاً و 631 جريمة تقريباً)، أي نحو ( 17 مليون جريمة خلال عامين فقط)، وتشمل تلك الجرائم، جرائم القتل والسطو، وسرقة الممتلكات والسيارات، والحرق العمد، وبحسب التقرير فقد نفذت السلطات الأميركية قرابة (10 ملايين و 700 ألف إلقاء قبض خلال عام 2016)، وهو رقم مقارب لتقديرات الجهاز الأمني لعام 2015، والذي وصل إلى (10 ملايين و 797 ألفاً و 88).
إيثان إبشتاين نائب رئيس تحرير الـ «واشنطن تايمز» كتب في صحيفته في 10 آب 2019 مقالاً تحت عنوان (دولة عنيفة.. أميركا الأعلى في جرائم القتل)، حيث يقول: إن عمليات القتل الجماعي باتت شيئاً متوطناً في الحياة الأميركية.
ووفقًا لمراكز دراسات داخل الولايات المتحدة، فإنه في العام 2019 كانت هناك 14542 جريمة قتل بالأسلحة النارية، كما كان إجمالي عمليات القتل في نفس العام نحو 19510 جريمة، ووفقًا لمعدلات القتل في الولايات المتحدة فإنه يُعد الأعلى بين دول العالم حسب بيانات الأمم المتحدة.
في الأول من تشرين الأول عام 2019 نشر مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي تقريراً صادماً حول تزايد جرائم الاغتصاب في الولايات المتحدة خلال العام 2018، حيث بلغت بحسب التقرير أكثر من 132 ألف جريمة.
وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي، في سياق تقرير شامل عن معدلات الجريمة الأميركية، إن 131 ألفاً و560 جريمة اغتصاب شهدتها الولايات المتحدة الأميركية خلال 2018، مقارنة بـ128 ألف جريمة خلال عام 2017، أي بزيادة تقدر 2.7%.
وجاء في ذات التقرير أن نحو (مليون ومئتي ألف جريمة عنف) ارتكبت في عام 2018 بالولايات المتحدة، بتراجع نسبته 3,3% مقارنة مع العام السابق.
في الولايات المتحدة يمتلك الأميركيون بين 300 و350 مليون قطعة سلاح فردي للدفاع عن النفس، وهذا ما يجعل من الولايات المتحدة إحدى أكثر دول العالم خطورة من حيث انتشار الجرائم وأعمال العنف المختلفة، وانتشار المخدرات وتبلغ معدلات جرائم القتل باستخدام الأسلحة النارية في الولايات المتحدة أعلى بنحو 25 مرة منها في سائر البلدان مرتفعة الدخل مجتمعة.
جيفري سوانسون، أستاذ علم النفس والعلوم السلوكية بكلية الطب بجامعة ديوك في ولاية نورث كارولينا، يقول إن حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة تحصد أرواح نحو 100 شخص يومياً في الولايات المتحدة.
وقد أظهرت دراسة نشرتها جامعة (إيفري تاون) أن ثلاثة من كل أربعة أطفال ومراهقين أميركيين قتلوا في حوادث إطلاق نار جماعي خلال السنوات العشر الماضية كانوا ضحايا للعنف المنزلي وتوفوا عموماً في بيوتهم، وبينما يؤرق الآباء الأميركيون شبح إطلاق النار في المدارس، مثلما حدث في مذبحة نيوتاون بولاية كونيتيكت وباركلاند بولاية فلوريدا وأماكن أخرى في أنحاء البلاد، كشفت مراجعة الجماعة لحوادث إطلاق النار من عام 2009 حتى 2018 عن أن عدداً أكبر بكثير من الأطفال لاقوا حتفهم في بيوتهم.
نغوص عميقاً في الإحصاءات، فنكاد نختنق من تلك الأرقام الصادمة التي هي نتيجة وسبب لثقافة الانحلال والانفلات الأخلاقي التي لا يزال يروج لها الغرب تحت مسميات وعناوين مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر (الليبرالية الحديثة) التي تعد الأخطر في أهدافها ومفاهيمها وغاياتها التخريبية.
فهل يعلم أولئك الذين يصفقون لتلك المفاهيم الغربية الغريبة عن مجتمعاتنا تحت عنوان (التحضر والحضارة) أن هناك واحدة من أصل ثلاث نساء في أميركا وحدها تعاني العنف الجسدي أو الجنسي، وأن ثلاث نساء تقتل يومياً بسبب العنف المنزلي وأن هناك (24) مليون امرأة تمارس البغاء، وأن هناك (8) جرائم قتل كل (19) دقيقة، و(2) جرائم اغتصاب كل (7) دقائق، و(3) حالات سطو مسلح كل (59) ثانية، وهناك (257) ألف طفل يتم إجهاضهم، وهناك (21) مليون طفل يولدون بشكل غير شرعي أي لا يعرفون آباءهم، وكل ما سبق يجري تحت رعاية الأيدلوجيات الغربية التي يصدرونها إلى مجتمعاتنا رغماً عنا.
وهناك (32) ولاية أميركية من أصل خمسين ولاية تعترف قانونياً بزواج المثليين جنسياً، ووفق وزير العدل إريك هولدر فإن المثليين يحصلون على الحقوق القانونية كاملة التي يتمتع بها الأزواج المغايرون جنسياً، حيث تضاعفت أعداد المثليين لتصل إلى(33%) من أفراد المجتمع بعد تبني النموذج النيوليبرالي، وفي بريطانيا دخل قانون زواج مثليي الجنس حيز التنفيذ وتم إدراج المثلية في المناهج التعليمية.
مسؤولة الأمن القومي السابقة بوزارة العدل الأميركية ماري ماكورد، صرحت في آب 2019 أن ما تشهده الولايات المتحدة من عنف مسلح يمثل ” مشكلة أخلاقية”.
وفي تقريرها السنوي الصادر في 27 شباط من العام الحالي، سلطت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة الضوء على ارتفاع ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب، وبحسب التقرير، فإن أعلى معدلات التعاطي والاستخدام كانت في أوروبا (13% من الشباب) تليها الأمريكيتان (11.6%) .
لقد كان من أحد أبرز أهداف الليبرالية الحديثة استقطاب الدول والشعوب المستهدفة ليتم احتلالها دون إطلاق رصاصة واحدة، وهو أحد وجوه التبعية والهيمنة الأميركية والغربية على كل تفاصيل حياتنا اليومية لتطال علاقاتنا الاجتماعية والأسرية الضيقة داخل منازلنا.
لقد بات واضحاً وجلياً تلك الهوة الشاسعة بين الواقع السيئ الموجود والمستفحل داخل المجتمعات الغربية، وبين ما تحاول تسويقه وتصديره إلينا تلك الدول على أنه حضارة وحرية وتطور يساهم في إعطاء مساحات وفُسح جديدة للحريات والحقوق، فيما الواقع من الداخل يكشف ويؤكد عكس ذلك تماماً.
وإذا كانت تلك النماذج الثقافية الغربية غير صالحة في مجتمعاتها التي ولدت وترعرعت فيها بعدما خلفت وراءها هذا الدمار الأخلاقي الهائل، فكيف يمكن أن تكون صالحة لمجتمعاتنا التي تحمل إرثاً كبيراً من القيم والمبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية، وهو سؤال برسم كل أولئك الذين لا يزالون يفتحون ذراعهم لاحتضان تلك الثقافات بذريعة التحضر والتقدم، سؤال تبدو إجابته ساطعة جداً مع ما أوردنا من حقائق صادمة للغربيين وللأميركيين أنفسهم.
ما سبق هو أنموذج واحد لما يعرف بالليبرالية الجديدة وثقافتها ومنهجها وهو النموذج الأميركي الذي يبدو أكثر انكشافاً ودلالة ووضوحاً، وسوف نأتي لاحقاً على نماذج غربية أخرى تعري الأهداف الحقيقية لكل ما يصدِّره إلينا الغرب الاستعماري تحت شعارات وعناوين خادعة وزائفة باتت غاياتها وأهدافها مكشوفة وواضحة.