الثورة – ميساء العلي:
“كل ما هو صغير جميل” مقولة كان يرددها على الدوام المهاتما غاندي للاقتصادي الألماني شوماخر، ومن حينها وحتى اليوم استطاعت الهند أن تحفر لها بصمة بين دول العالم في تجربة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
رغم الصعوبات التي تعصف بالاقتصاد السوري، تظل المشاريع الصغيرة والمتوسطة شرياناً حيوياً يمد السوق بالمرونة والاستقرار ومع توفير البيئة المناسبة والدعم الحكومي والخاص يمكن لهذه المشاريع أن تتحول إلى قاطرة حقيقية لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية المستدامة في سوريا.
دور تنموي
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش أننا لا نحتاج لتأكيد أو مناقشة أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودورها التنموي سواء على مستوى الاقتصاد المحلي أو الدولي، فهي تشكل ما لا يقل عن 90 بالمئة، من اقتصادات الدول المتقدمة وتسهم في تأمين ما لا يقل عن 60 بالمئة من فرص العمل.
ويضيف عياش في حديث خاص لصحيفة الثورة: إن المشاريع الوطنية الصغيرة والمتوسطة رافعة التنمية الأساسية، بالعموم ولكنها تكتسب أهمية خاصة خلال مرحلة التعافي (مرحلة التعافي تختلف في متطلباتها، وحجم استثماراتها وطبيعة مشروعاتها عن مرحلة التعافي فالتعافي يعتمد على الإمكانات والموارد المحلية المتاحة). يتابع كلامه بالقول “يطغى على الاقتصاد السوري نمط الشركات الصغيرة والمتناهية في الصغر والتي تعتمد نموذج الاقتصاد العائلي كشركات عائلية”.
لا يوجد رقم دقيق
وبالنسبة للأرقام حول حجم تلك المشاريع، يقول: إنه لا يوجد رقم دقيق لعدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا لعام 2024، ولكن تشير التقديرات إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل نسبة كبيرة من الاقتصاد السوري، إذ ساهمت بنسبة 62 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2011 و2024 خلال هذه الفترة، شكلت المشروعات الصغيرة نحو 35 بالمئة من إجمالي المشروعات، فيما شكلت المشروعات المتوسطة نحو 4 بالمئة، يعود هذا التوزيع إلى تراجع أحجام المشروعات في سوريا نتيجة للحرب، مع تركز النسبة الأكبر من المشروعات في فئة “متناهية الصغر” بنسبة 65 بالمئة، وكانت تساهم بقرابة 30 بالمئة، من الناتج الإجمالي المحلي وهي تتناسب مع ثقافة العمل السائدة في مجتمعنا والتي تقوم على منظمات الأعمال الفردية والعائلية.
الصعوبات
لكن المشكلة الفعلية التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر- بحسب عياش، هي التحديد الدقيق لمفهومها ودورها من حيث التعريف والتحديد والتصنيف وكذلك من حيث الأولوية والأهمية.
ومن جانب آخر تواجه هذه المشروعات العديد من الصعوبات والمعوقات في بيئة العمل الداخلية والخارجية العامة. لكن، يقول عياش: “لعل من أبرز الصعوبات في بيئة العمل العامة هي ثقافة العمل، للأسف ما زالت ثقافة الوظيفة مهيمنة واستجد عليها وفاقم منها ثقافة الهجرة التي فرضتها ظروف الحرب، وبالعموم هناك افتقار لثقافة ريادة الأعمال والتي تقوم على العمل الخاص المستقل، وهي أهم متطلبات تنمية المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فريادة الأعمال ثقافة، أي أنها يجب أن تكون ميلاً عاماً، وأسلوب حياة وسلوكاً مرغوباً ولذلك هي بحاجة للوعي والرعاية لتنمو مع الزمن، وهذا ما نفتقده في مجتمعنا ويتطلب ذلك إعادة النظر في مناهج التعليم والتعليم المهني بالخصوص.
ومن جانب آخر يجب التمييز بين مفهوم المهن والحرف الخاصة، ومفهوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة كرافعة تنموية. بالعودة إلى مفهوم ريادة الأعمال فريادة الأعمال تقوم على أربعة مبادئ- بحسب عياش- وهي المبادرة والمخاطرة (أو المجازفة) والثروة والإبداع فمبدأ تحقيق الثروة، هو أهم ما يميز بين مفهوم المهن والحرف، وبين مفهوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ويقصد به الهدف من ريادة الأعمال (أي المبادرة والمخاطرة والإبداع)، فالهدف هو تحقيق ربحية عالية وكافية لتحقيق التراكم الرأسمالي من خلال المزايا التنافسية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة القائمة، على مفهوم الريادة وقدرتها على تحقيق الربحية التي تفوق المشروعات والأفكار التقليدية، وليس الهدف منها تأمين مصاريف الحياة ونفقاتها للقائمين عليها.
ويتابع عياش: إن التراكم الرأسمالي (وهو الركيزة في تحقيق الثروة) هو الذي يمنح المشروعات الصغيرة والمتوسطة الريادية قدرتها على الاستمرارية والاستدامة، والنمو سواء بمفهوم التدرج الذاتي، أو التشبيك عبر التكامل أو التضافر.. وهذا من أهم عوامل تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأهم مقومات ريادة الأعمال كما يجدها الخبير الاقتصادي من حيث القدرة على الاستدامة والأنسب لمفهوم تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، هو مبدأ الإبداع فالإبداع مفهوم متنوع فقد يكون الإبداع في تقديم سلع وخدمات تسهم في حل مشكلة حالية، أو إيجاد بدائل أنسب وأفضل لمنتجات وخدمات حالية أو إيجاد سلع وخدمات جديدة كلياً.
أخيراً
الإبداع يمنح المشروعات الصغيرة والمتوسطة القدرة على التطور والنمو من جهة، وكذلك يكسبها القدرة على التشبيك فيما بينها من جهة ومع المشروعات الكبيرة من جهة ثانية، وبالتالي الاستفادة من مبدأ التضافر في المزايا النسبية والتكامل في الأعمال وهذا ما يساعد على تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعلى تحقيق الاستدامة.