الرسوم المتحركة.. بين التربية والترفيه

الثورة – سمر حمامة:

لطالما شكّلت الرسوم المتحركة جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة الطفولة، إذ رافقت أجيالاً كاملة منذ اللحظة الأولى التي جلسوا فيها أمام شاشة التلفاز.. لم تكن مجرد تسلية، بل نافذة إلى عالم مليء بالقيم والمعاني التي انعكست على شخصية الطفل وسلوكه، فمن خلال شخصيات مثل “سالي، وريمي والكابتن ماجد…”، وأعمال تربوية مثل “افتح يا سمسم”، تعلّم الأطفال الصبر والمثابرة، والرحمة، واحترام الآخر، إلى جانب روح الفريق والتسامح حتى في لحظات الخسارة.لكنّ المتابع للرسوم الحديثة يلحظ فارقاً كبيراً، إذ يطغى على معظمها مشاهد العنف والقتال، وتعابير الوجوه الغريبة، والحوارات المليئة بالشتائم، ما يطرح تساؤلات عديدة: هل ما يُعرض اليوم يربي الأطفال حقاً أم أنه يزرع فيهم سلوكيات مرفوضة؟

الرسوم المتحركة لم تكن يوماً وسيلة ترفيهية بحتة، بل هي أداة ثقافية وتربوية قوية التأثير، ففي الماضي، كانت الحلقات تُبنى على قصص إنسانية مؤثرة: “سالي” التي تعلم الصبر ومواجهة قسوة الحياة بالأمل، “ريمي” الذي يعلّم معنى التضحية، وحب العائلة رغم الغربة والفقر، و”الكابتن ماجد” الذي يعكس قيم الرياضة النبيلة، من روح الفريق وحتى تهنئة الخصم عند الفوز.. أما برنامج “افتح يا سمسم” فكان مدرسة تربوية متكاملة، يزرع في عقول الأطفال قيم المحبة والتعاون بأسلوب بسيط ومرح.

على النقيض، يظهر في الرسوم الحالية نمط مختلف، أبطال خارقون لا يعرفون سوى لغة القوة والضرب، مشاهد قتال لا تنتهي، شخصيات ذات ملامح غريبة قد تُرعب الأطفال بدل أن تبهجهم، إلى جانب لغة جارحة وسلوكيات سلبية تُعرض وكأنها طبيعية، هذا التحول الكبير يثير قلق الأسر التي باتت ترى أثر ذلك في سلوك أبنائها داخل البيت والمدرسة.

تقول السيدة هالة العلي: ابني الصغير، عمره 6 سنوات، صار يقلّد الحركات القتالية التي يراها في الرسوم الحديثة.. بعد كل مشاهدة، يبدأ بمهاجمة إخوته الصغار وكأنه بطل خارق. بصراحة أشعر أن هذه الأعمال تحرض على العنف أكثر مما تُعلم شيئاً مفيداً.

أما سامر العمر يتحدث عن ابنته التي تحب مشاهدة الرسوم القديمة التي يحضّرها من الإنترنت يقول: عندما ترى ابنته “سالي” أو “افتح يا سمسم”، تبتسم وتشعر بالراحة، بينما تشتكي من الرسوم الحديثة، وتقول: إنها مزعجة وصاخبة، أعتقد أن الفارق الواضح بين الماضي والحاضر يعكس تراجع القيم التربوية في المحتوى.

السيدة ليلى ناصر تقول: نحن كأهل نعمل معظم اليوم ولا نملك وقتاً كافياً لمراقبة ما يشاهده أولادنا. لاحظت أن الرسوم الحديثة لا تعكس القيم التي تربينا عليها، بل على العكس، تبث صوراً عنيفة وعبارات قاسية. هذا الأمر يقلقني كثيراً، خاصة أن أطفالي يكررون الكلمات التي يسمعونها من هذه الشخصيات.
سلاح ذو حدين

المرشدة النفسية دارين السليمان ترى في هذا السياق أن الرسوم المتحركة أصبحت اليوم “سلاحاً ذا حدين”، فهي قادرة على غرس القيم الإيجابية مثل التعاون والرحمة، لكنها قد تنقل أيضاً سلوكيات سلبية إن لم تُقدَّم بشكل متوازن.. وتوضح: “المشكلة ليست فقط في وجود مشاهد عنف، بل في غياب المحتوى الذي يوازن بين المتعة والقيمة التربوية، الطفل يقلّد ما يراه، وإذا شاهد باستمرار أبطالاً يحلون خلافاتهم بالقتال، سيظن أن العنف هو الطريق الطبيعي لحل المشكلات. وتؤكد أن للأهل دوراً محورياً في حماية أطفالهم من هذا التأثير، عبر اختيار المحتوى المناسب بعناية، سواء من خلال القنوات التعليمية أو المنصات التي توفر أعمالاً تربوية، المشاركة في المشاهدة أحياناً، لشرح المواقف وتصحيح المفاهيم المغلوطة، تحديد وقت المشاهدة حتى لا يصبح التلفاز المصدر الوحيد للتربية، تعويض النقص عبر تشجيع القراءة، والأنشطة التفاعلية، والألعاب التي تنمي التفكير والتعاون.

وتضيف: لا يمكن أن نلقي اللوم على شركات الإنتاج وحدها، فالمسؤولية مشتركة، دور الأسرة محوري في توجيه الطفل، لأن الرسوم المتحركة مهما كانت مؤثرة، لن تكون أقوى من تربية قائمة على الحوار والاهتمام.

بين الماضي والحاضر.. يتضح أن الرسوم المتحركة تغيّرت جذرياً، ففي حين كانت بالأمس تحمل رسائل إنسانية نبيلة وتشكّل جزءاً من تربية الأجيال، باتت اليوم في كثير من الأحيان تركز على مشاهد العنف والصخب، ومع ذلك، لا يعني الأمر أن الحل مستحيل، بل يكمن في وعي الأهل بدورهم، وانتقاء ما يعرضونه لأطفالهم، ومناقشة محتواه، فالرسوم ليست مجرد صور متحركة، بل عالم يبني أو يهدم، ويترك بصمة عميقة في شخصية الطفل ومستقبله.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يستقبل الأدميرال تشارلز برادلي كوبر قائد القيادة المركزية الأمريكية دخول 31 شاحنة مساعدات إنسانية أردنية قطرية عبر مركز نصيب ترحيل القمامة والركام من شوارع طفس "التربية والتعليم": قبول شرطي للعائدين من الخارج وزيرة الشؤون الاجتماعية: مذكرة التفاهم مع الحبتور تستهدف ذوي الإعاقة وإصابات الحرب مهرجان «صنع في سوريا» في الزبداني… منصة لدعم المنتج المحلي وتخفيف الأعباء المعيشية خطوات صغيرة وأثر كبير.. أطفال المزة  ينشرون ثقافة النظافة محافظ حماة يفتتح "المضافة العربية" لتعزيز التواصل مع شيوخ القبائل   " التعاون الخليجي" يجدد إدانته للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية  البرلمان الأوروبي يدين  منع "إسرائيل " المساعدات عن غزة ويدعو لفتح المعابر  تفاقم أزمة المواصلات في ريف القرداحة  منحة نفطية سعودية لسوريا… خطوة لتعزيز الاقتصاد والعلاقات الثنائية  انطلاقة جديدة لاتحاد المبارزة  نتائج جيدة لطاولتنا عربياً  اتحاد الطائرة يستكمل منافسات الدوري التصنيفي الذكاء الاصطناعي يصدم ريال مدريد وبرشلونة مفاجأة ألكاراز.. تسريحة شعر خارجة عن المألوف الريال يواصل الغياب عن حفل (الكرة الذهبية) "عبد المولى" ينهي مهمته كمنسق أممي في سوريا حاملاً الأمل والتقدير للسوريين  المندوب الدائم لسوريا يسلم أوراق اعتماده إلى الأمين العام للأمم المتحدة