الثورة – جهاد اصطيف:
في قلب مدينة حلب، وفي ساحة سعد الله الجابري تحديداً، ارتفعت أصوات العشرات من أصحاب محال “الفروغ” في وقفة احتجاجية، حملت أكثر من مجرد مطالب معيشية، إذ عبرت عن أزمة عميقة تضرب أحد أكثر الملفات حساسية في السوق السورية “ملكية الفروغ”.
من الاستقرار إلى القلق
يقول أحد أصحاب المحال المحتجين بصوت متوتر: نحن لسنا “عصياناً” في محال الملّاك، ولسنا لصوصاً، نحن دفعنا ثمن هذه المحال بأموالنا، ولسنا مجرد مستأجرين كما يصور الأمر.
هذا الصوت لم يكن معزولاً، بل تردد على ألسنة معظم الحاضرين الذين شددوا على أن وضعهم يختلف جذرياً عن أي مستأجر تقليدي، فالفروغ- كما يوضحون- دفعوا ثمنه مرة واحدة بمبالغ ضخمة، ما يجعلهم أقرب إلى “شبه ملاك”، لا مجرد مستأجرين.
القانون القديم كان يميز بين المستأجر العادي، الذي يدفع بدلاً سنوياً ويخلي المحل عند الامتناع، وبين أصحاب الفروغ الذين اشتروا الحق بمبالغ مقطوعة.
اليوم، يجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة تعديلات مطروحة، تجبرهم على دفع نسب إضافية (10- 20 بالمئة من القيمة)، أو حتى وفق السعر الرائج، وهو ما يراه المحتجون استنزافاً متجدداً لما دفعوه أصلاً.
أحدهم عبّر عن حالة السخط قائلاً: مللنا.. لم يعد بمقدورنا الدفع أكثر، “أعصابنا تلفت ويكفينا”.
بين التعويض والكارثة الاجتماعية
لم يتوقف البعض عند حد رفض التعديلات، بل ذهب إلى المطالبة الصريحة باستعادة أموالهم وفق القيمة الحالية، معتبرين أن ما يحدث يشبه “إلغاء حق مكتسب” على مدى عقود.
قصة شاب اشترى حق الفروغ قبل أقل من عام مقابل 275 ألف دولار، ثم وجد نفسه فجأة مهدداً بخسارة كل شيء، تحولت إلى المثال الأكثر تداولاً في الوقفة، لتكشف حجم الهوّة بين ما دفعه أصحاب المحال وما يطلب منهم اليوم.
الاحتجاج لم يكن مجرد تعبير عن ضيق فئة محدودة، بل ناقوس خطر أوسع، إذ حذر المشاركون من أن الأزمة في محال “البلدية” قد تكون مجرد بداية، لتتسع لاحقاً إلى القطاع الخاص، بما قد يفتح الباب أمام نزاعات قضائية وتجارية حادة.
تاجر سبعيني قال بمرارة: منذ خمسينيات القرن الماضي ونحن نحافظ على محالنا تحت مظلة القانون، واليوم يطلب منا أن نعيدها ببساطة. هل يعقل ذلك؟!.
في ختام الوقفة، عبّر أصحاب المحال عن استيائهم من الصورة التي يُرسمون بها في النقاشات العامة، معتبرين أن هناك عملية “شيطنة” متعمدة لحقوقهم، رغم أنهم ملتزمون بدفع ما يترتب عليهم للمالية والبلدية.
نحن لم نتعدّ على أحد، ولم نغتصب محال أحد، ما نريده فقط هو حل منصف، يرضي جميع الأطراف ويضع حداً لهذا النزيف، يقول أحد المحتجين قبل أن يغادر الساحة.
أزمة تبحث عن مخرج
بين القانون القديم وتعديلات مطروحة، بين حقوق مكتسبة واستحقاقات جديدة، يقف أصحاب الفروغ في حلب على مفترق طرق حاسم.. القضية لم تعد مرتبطة فقط بمحال تجارية، بل باتت تمس الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لآلاف الأسر.يبقى السؤال مطروحاً: هل تتحرك الجهات المعنية سريعاً لإيجاد حل وسطي عادل، أم أن “أزمة الفروغ” ستتفاقم وتتحول إلى نزاعات أوسع لا تحمد عقباها؟.