الثورة أون لاين- منهل إبراهيم:
هو الحديث القديم الجديد للغزاة .. سينسحبون .. سيخرجون.. سئمنا من الحرب.. حققنا الأهداف .. حديث ممجوج ولكن يبقى وراء الأكمة ما وراءها وأميركا اليوم بشخص رئيسها بايدن تقول إنها أضاعت بوصلة الوجود في أفغانستان وسئمت من الحرب، ولا ترى بأي شكل من الأشكال أن الحكومة الأفغانية سوف تتطور إلى ما كانت واشنطن تأمل منها، لذلك جاء قرار الرئيس جوزيف بايدن بالانسحاب.
قبل 20 عاماً في السابع من تشرين الأول 2001 خاطب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن الشعب الأميركي من غرفة المعاهدات بالطابق الثاني بالبيت الأبيض معلناً أن الحرب في أفغانستان قد بدأت.. وفي 14 نيسان الجاري 2021 تحدث الرئيس الحالي جوزيف بايدن من القاعة نفسها ليعلن أن الولايات المتحدة ستسحب جميع قواتها المتبقية في أفغانستان بحلول 11 أيلول 2021.
تذرع أميركا بهجمات 11 أيلول دفع الولايات المتحدة لقيادة حرب سرابية طويلة الأمد على إرهاب مزعوم .. لكن قرار بايدن ربما يعكس بشكل أو بآخر تحول الولايات المتحدة المتزايد عن (الشرق الأوسط) في الوقت الذي تركز فيه على أولويات جديدة مثل الصين… مع بقاء العين بكل تأكيد على البقعة الشرق أوسطية التي تشكل الخزان الحيوي في ثرواتها لبلاد (العم جو).
ولنعد إلى الوراء قليلاً فقبل شهرين أشارت وثيقة ما تسمى الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض في بداية آذار الماضي إلى أن الولايات المتحدة.. (لا ينبغي أن تنخرط، ولن تشارك، في حروب إلى الأبد، كلفت آلاف الأرواح وتريليونات الدولارات.. وسنعمل على إنهاء أطول حرب تشنها أميركا في أفغانستان على نحو مسؤول مع ضمان ألا تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذاً آمناً للهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة).
والمضحك في الأمر أن واشنطن تقول إنها (كانت تهدف إلى القضاء على تنظيم القاعدة وإنها حققت ذلك إلى حد كبير، كما أن واشنطن أدركت بعد كل هذه السنوات من الحرب أن تنظيم طالبان جزء من المجتمع الأفغاني لا يمكن لها القضاء عليه عسكرياً)… وهذا على ما يبدو تراجع ضمني لواشنطن ونية في توثيق العلاقة مع حركة طالبان التي تصفها من جهة بالإرهابية ومن جهة أخرى بأنها جزء من المجتمع الأفغاني.. وهذا تناقض كبير عودتنا عليه الإدارات الأميركية في حروبها المزعومة على الإرهاب وتفصيلها لقمصانه الملونة على كيفها ومصالحها.
واشنطن عندما تريد الانسحاب فعلاً من منطقة فهذا يعني أن تلك المنطقة استهلكت أو خسرت فيها الحرب عسكرياً أو سياسياً أمام ضغط خارجي أو داخلي … لكن المرجح أن العديد من العوامل نفسها التي تذرعت بها واشنطن للبقاء في أفغانستان على مدى عقدين من الزمن بما في ذلك خوفها المزعوم من خطر انهيار الدولة الأفغانية أمام قوى التطرف ستظل على الأرجح قائمة بحلول أيلول.
وتمعنوا في تغريدة أرون ديفيد ميلر المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية عن الانسحاب المزعوم.. “الانسحاب من أفغانستان ليس سبباً للاحتفال التافه، فلقد كانت التضحيات مؤلمة للغاية .. لكنه القرار الصحيح في حرب لم يكن الفوز بها ممكناً، ولم يكن انسحابنا إلا مسألة وقت، وهذا الوقت طال انتظاره”.
ومهما كانت مبررات ومسوغات الانسحاب الذي لم يحصل بعد ونشكك بحصوله فهو على سبيل جس النبض تجاه العديد من الأطراف في داخل وخارج أفغانستان.. وواشنطن ترى وتتبجح بأنه لا يمكن استخدام أفغانستان لشن المزيد من الهجمات على الولايات المتحدة.. وقد تحققت أهدافها كما تزعم .
فهل نصدق ما تحدث به السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام بغضب معلقاً على قرار بايدن بالقول إن (الرئيس بايدن، للأسف، اختار البديل الأكثر عرضة للمخاطر، وهو المغادرة مهما كان الأمر).
وعلى العكس من فكرة الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب الأحادي من أفغانستان تقول المعلومات إن إدارة بايدن نسقت مع حلفائها الغربيين الأعضاء بحلف شمال الأطلسي (الناتو) حول انسحاب مزدوج يشمل كذلك قوات الناتو المنتشرة هناك… فهل سيتحقق هذا الانسحاب الذي طال أمده أم هي لعبة أخرى لكسب المزيد من الوقت سيتم إلغاؤها وبدء لعبة جديدة أخرى يتبعها إعلان آخر عن انسحاب غير مرئي في أفق السياسة الأميركية المخادعة… الأمر متروك للأيام التي ستثبت كل الأقاويل والروايات.