الكتابة على خارطة الجسد…

ثورة أون لاين- يمن سليمان عباس: الروائي الذي طبقت شهرته الآفاق حنا مينة يقرأ خارطة الجسد ويبدع في قراءته، يقدم لنا حقول إبداع جديدة في هذه القراءة.
الجسد بين اللذة والألم كتابه الجديد الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، سفر في القراءة والتحليل والرؤى يحار المرء من أين يقتبس وأين يقف؟ فكل ما في هذا الكتاب حري بالاحتفاء والاهتمام ولكن لابد من أن نختزل ونختار باقة مما جاء فيه.
يبدأ كتابه بمقال حمل عنوان: لماذا سورية بالذات؟ ومما قاله: نعم! كنت جسداً في اللاذقية وكنت روحاً في دمشق هذه التي تتقاطع التهديدات أميركية وإسرائيلية فوقها، ولئن كنت ملتاشاً هناك فقد كنت واثقاً هنا بأن دمشق تعرف ماضياً وحاضراً كيف تقص أجنحة هذه التهديدات جناحاً بعد جناح وكيف تحسن التسديد بالكلمة والرصاصة إلى صدور الأعداء رغم أنها وحدها من بين كل الدول العربية مقصودة بذاتها ولذاتها لأن مشروع الشرق الأوسط الكبير إذا عبر منها ولو تهديداً بالسلاح اجتاح الوطن العربي كله إلا أن سورية تقاوم وبأعنف ما تكون المقاومة لكونها في المقدمة وفي الطليعة نزالاً مع الذين يعرفون تاريخها الكفاحي جيداً ويعرفون دورها الريادي ويصرون على استباحة هذا الدور أو اختراقه لأنه في الكفاح كان متراساً ومتراساً يبقى.
واليوم كما الأمس وقبله تدرك سورية أن مشوارها مع الكفاح الطويل وأن عليها أن تصد أعداءها وأعداء أمتها العربية عن بلوغ غاياتهم الشريرة صداً محكماً وهي تفعل ذلك مبادرة راضية دون خيلاء.
المدينة التي بحرها شرايين
لا يغادر حنا مينة اللاذقية وبحرها أينما كان جسداً فروحه في اللاذقية تهوم فوق بحرها واللاذقية هي دمشق ودمشق هي اللاذقية والبحر بينهما هو المبدع ذاته يقول:
ما صرت مرة على مشارف اللاذقية إلا وسبقني قلبي إليها ماذا هناك؟ لست أدري الشفاه البخيلات ليست فيها ولا في مكان آخر غيرها، طوينا كتاب الحب "وبطلنا البكي" وحتى في الشباب "يوم كانت الدنيا دنيا" لم أتناول "قربان" هذه النعمة كي أبكي عليها الآن والقراء الأعزاء يتغامزون بطرف اللواحظ غير مصدقين والناس بارك الله في ألسنتهم وعواطفهم لا يستريحون ولا يريحون وفي مدعي أشواقهم إلى المعرفة يفتحون حتى الدفاتر العتيقة منقبين فيها عن الحقيقة المستترة لا المعلنة، وعلى منصة التشريح يشرحون قلبي ليروا ما في داخله من نبض خفي هو السبب الذي يجعل روحي تسبق جسدي كلما اقتربت من اللاذقية أو صرت على مشارفها.
ودائماً أقسم يا لاذقيتي الحبيبة ألا أعود إليك ودائماً أعود إليك وفي السريرة حين تبلى السرائر تبقى لك سريرة عشق رغم أنني لم أعشق أحداً حتى ولا نفسي لأنني محروم من هذه النعمة ولم تكافئني السماء انتقاماً من نعمة الحب ونعمة السكر وهكذا أسمع أغنية :تمرس باللذات وهو فتى" فأتحسر حيناً وأسر أحياناً وبذلك تتم المعادلة وتنغلق الدائرة.
رسالة إلى نصف مجنون
في القسم الثاني من الكتاب وهو معنون بمرافئ السيرة وأشياء أخرى يستوقفنا عنوان جميل يقول: رسالة إلى نصف مجنون فيا ترى من هو هذا النصف؟ وماذا عن نصفه الآخر؟ وما جاء فيها يقول: حين كنت في العشرين من عمرك كنت حلاقاً غير ملتزم في دكان على باب ثكنة في مدينة اللاذقية بابها من أخشاب عتيقة لا تمنع ريحاً ولا تحجب ضوءاً نعم! هذا ما كنته يا فصيح يوم كانت الحرب العالمية الثانية تتضرى وكنت تتساءل كما غوركي يا نفس ماذا ستكونين وماذا يخبئ لك الغد؟
لم يكن لديك سوى الشهادة الابتدائية المنسية الآن في قاع البحر الأحمر وقد حصلت عليها في المدرسة "الرشدية" في مدينة اسكندرونة قبل الهجرة من اللواء السليب وقد أضعت طفولتك في الشقاء وشبابك في السياسة سعياً وراء العدالة الاجتماعية.
كنت أيها المأفون ترغب في تغيير العالم ودون أن تعرف ما الكتابة… كتبت خربشات أسميتها مسرحية أنت بطلها وأنت غير آسف عليها لأنك لا تأسف على ما فات وتتطلع أبداً إلى ما هو آت.
في العشرين من عمرك أنت البائس الذي ينافح عن البؤساء غادرت اللاذقية إلى بيروت مرغماً باحثاً عمن يتخذك أجيراً من الحلاقين لكن بحثك أياماً طوالاً لم يجد, رفضوك وأنت تحمل قليلاً من الثياب والأقل الأقل من النقود في الصرة التي على كتفك فكرهت أميرة المدن في لبنان "الأخضر حلو" ووجدت نفسك ضائعاً فيها ولا يزال هذا شعورك منغرساً في تربة نفسك يتمظهر كلما زرتها فتفر من هذا الإثم معتذراً لشاعر "طفولة نهد" الذي تعده ظاهرة لن تتكرر والذي قال" إن بيروت أميرة المدن.
الكاتب قابلة… وحفار قبور
في القسم الثالث من الكتاب يطالعنا العنوان السابق فما الذي يقوله فيه: كثيراً ما سئلت ما هاجسي الأدبي؟ وكثيراً ما أجبت: أن أجرب وأن أتثقف ثم أكتب ان رأسي مملوءة بالأفكار والرؤى وبالشخوص الروائية التي لا تفتأ تطاردني طالبة أن أكتب عنها, أن أخلقها أدبياً، أن أجعلها ترى النور هي التي عاشت في ظلام دامس بين طاسة الرأس والدماغ على شكل هيولي وحدي قادر من خلال المعاناة في التجارب على تجسيدها على نفخ الروح فيها لتسعى حية بين الناس، هذا ما يسمونه الهاجس الأدبي وقد عشت الهواجس في تعددها, تنوعها, تلاوينها وتهاويلها أيضاً ورغم أني كتبت الرواية والقصة القصيرة والمقالة الأدبية والدراسة في مختلف المواضيع إلا أن النار لا تزال تشتعل في الراحتين وتتوهج جذواتها تحت الأظافر وتنبت كالفطر البنفسجي على رؤوس الأنامل وعليها أيضاً تتخلق شخوصاً عبثاً حاولت نسيانها، الإشاحة عنها، الاختباء منها، الهرب إلى الجنة أو جهنم فراراً من مطارقها التي تدق على الصدغين أبداً صارخة بي بأصوات أسمعها وحدي، أكتب أكتب أتابع الرسم بالكلمات سواء بالقلم أو السكين ولا يهم بعد ذلك الصورة التي ترسمنا عليها, فالخير والشر اقنومان ولا يهم مرة أخرى ما إذا كنا إلى الخير أو الشر ننتسب.
بطاقة تعريف:
الكتاب: الجسد بين اللذة والألم.
المؤلف: حنا مينة. الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب.
 

آخر الأخبار
معلوف لـ"الثورة": الحكومة الجديدة خطوة في الاتجاه الصحيح ديب لـ"الثورة": تفعيل تشاركية القطاع الخاص مع تطلعات الحكومة الجديدة  سوريا: الدعم الدولي لتشكيل الحكومة حافز قوي لمواصلة مسيرة الإصلاحات البدء بإصلاح خطوط الكهرباء الرئيسية المغذية لمحافظة درعا الوقوف على جاهزية مستشفى الجولان الوطني ومنظومة الإسعاف القضاء الفرنسي يدين لوبان بالاختلاس ويمنعها من الترشح للرئاسة الإنفاق والاستهلاك في الأعياد بين انتعاش مؤقت وتضخم قادم إصدار ليرة سورية جديدة، حاجة أم رفاه؟ من كنيسة سيدة دمشق.. هنا الجامع الأموي بيربوك من كييف: بوتين لايريد السلام ويراهن على عامل الوقت The New York Times: توغلات إسرائيل داخل سوريا ولبنان تنبئ باحتلال طويل الأمد الاحتلال يواصل خرق الاتفاق..غارة جديدة على الضاحية ولبنان يدين السوداني يؤكد للرئيس الشرع وقوف العراق إلى جانب خيارات الشعب السوري السعودية: 122 مليون مسلم قصدوا الحرمين الشريفين في رمضان مسيرات للسلام والاحتفال بعيد الفطر في ريف دمشق سرقة أجزاء من خط الكهرباء الرئيسي المغذي لمحافظتي درعا والسويداء الاحتلال يصعد عمليات الهدم والتهجير القسري في طولكرم ومخيمها إسبانيا وبولندا ترحبان بإعلان تشكيل الحكومة السورية "تجارة حلب" تختتم فعاليات مهرجان رمضان الخير وليالي رمضان مُحي الدين لـ"الثورة": نجاح الحكومة يستند إلى التنوع واختلاف الآراء والطاقات الشابة