الثورة أون لاين- ترجمة بتصرف ليندا سكوتي:
يثير الإعلانان الصادران عن الولايات المتحدة في هذا الأسبوع أموراً هامة تستحق المزيد من الدراسة والتمحيص، ويكمن السؤال الأول حول إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن في 13 نيسان انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بحلول 11 أيلول المقبل، ولهذا التاريخ خصوصيته لكونه يصادف مع مرور الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من أيلول 2001، وواشنطن التي كانت السبب الظاهري لهجوم الولايات المتحدة على أفغانستان.
ولا يخفى على أحد بأن الهجوم على أفغانستان قد جرت مناقشته في أول اجتماع لمجلس وزراء جورج بوش في شهر كانون الثاني من ذلك العام، وفي حينها، افتقر المجتمعون للذريعة التي تتيح لهم خوض الحرب، ولكن تم تدارك الأمر فيما بعد عبر إلقاء اللوم بشن هجمات 11 أيلول على أسامة بن لادن، والمطالبة بتسليمه إلى الولايات المتحدة ليصار إلى محاكمته، إلا أن حكومة طالبان التي كانت تسيطر على كابول قد طالبت بدليل يؤكد تواطؤ ابن لادن في هجمات 11 أيلول، الأمر الذي رفض الأميركيون تلبيته، وعوضاً عن ذلك، عمدوا إلى شن هجمات على معقل ابن لادن في باكستان، وقتله ورمي جثته في البحر، ولا تزال هناك الكثير من التساؤلات حول تلك الرواية، ولا ريب بأن القصة ملفقة من البداية إلى النهاية، ولكنها الرواية الرسمية التي استندت إليها تصرفات الولايات المتحدة على مدى عشرين عاما، والجدير بالذكر أن لا علاقة بين غزو أفغانستان وأحداث 11 أيلول، ولكن موقع أفغانستان الجغرافي واتصاله بعدد من الدول ذات المكانة الاستراتيجية لواشنطن كان أكثر أهمية.
يزعم الرئيس الأميركي أن “القوات” كافة ستنسحب من أفغانستان، وهو في ذلك يجعلنا أمام عدد من التساؤلات التي تتطلب الإجابة، وبخاصة حول دور وكالة الاستخبارات المركزية التي دأبت على معارضة انسحاب الولايات المتحدة، فبعيداً عن أي مخاوف أمنية مزعومة، فإن الموضوع الأكبر الذي تركه إعلان بايدن دون إجابة يتمثل في الدور الذي تؤديه وكالة الاستخبارات المركزية في إنتاج وتوزيع الهيروين على الدول، الأمر الذي يوفر جزءاً كبيراً من تمويل وكالة الاستخبارات المركزية سراً، علاوة على ذلك، فلم يتطرق إعلان بايدن إلى مصير آلاف الجنود التابعين للشركات الخاصة الذين يشكلون عنصراً أساسياً في المجهود الحربي الأميركي، ويبدو أن دورهم سيقتصر على تقديم الدعم للحكومة الأفغانية الفاسدة وغير الكفوءة، لكن تلك المحاولات محكوم عليها بالفشل، إذ من الصعوبة بمكان أن تفلح الحكومة في النجاة من سيطرة طالبان على السلطة.
أما التطور الثاني الهام الذي حدث في الأسبوع الماضي فيتمثل بتغيير الولايات المتحدة رأيها بشأن موضع سفينتين حربيتين في البحر الأسود، الأمر الذي جاء على خلفية تحذير الرئيس الروسي من أن الوجود العسكري الأميركي في أي منطقة حيوية بالنسبة للأمن الروسي أمر لا يمكن احتماله.
تكمن الأسباب الداعية للوجود الأميركي المتعمد في هذا البحر بممارسة الضغط على روسيا بشأن التطورات في أوكرانيا، وخاصة أن الأميركيين قد تعهدوا بتأييد الحكومة الأوكرانية التي نكثت عن الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية مينسك المبرمة عام 2014 المتعلقة بواقع الجزأين المنفصلين من أوكرانيا والمعروفين باسم منطقة دونباس التي تعرضت لضغوط عسكرية من الحكومة الأوكرانية منذ استقلالها، وربما كانت هذه المنطقة على وشك الانهيار ككيان منفصل لولا الدعم الذي قدمته الحكومة الروسية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد التطورات المثيرة للاستغراب في الأسبوع الماضي كان التخفيف من الموقف المتخذ من قبل الرئيس الأوكراني زيلانسكي، وما بدا من استعداده للدخول في محادثات مع المنطقتين المنفصلتين، رغم صعوبة التوفيق بين الموقفين المختلفين جوهرياً.
في هذا السياق، نجد أن أوكرانيا تهدر الوقت في المطالبة بعودة شبه جزيرة القرم للانضمام إليها، علماً أن الوقت قد فات، وبات من الواضح الدعم الشعبي الساحق خلال تصويت شبه جزيرة القرم في آذار عام 2014 سعياً للاندماج مع روسيا، ويبدو أن تاريخ القرم وحقيقة عودتها إلى روسيا غائبة عن الحسابات الغربية.
الجدير بالذكر أن ثمة تصلبا واضحا في الموقف الروسي الأمر الذي بدا واضحاً عندما قوبل طلب بايدن من بوتين بعقد قمة في بلد ثالث كالنمسا ببرود ملحوظ، إذ لا ينسى بوتين إهانة بايدن عندما وصفه بـ”القاتل”.
لا ريب أن كلام بايدن لن يتم تجاوزه على المدى المنظور، ولكن صفة “القاتل” تنطبق على حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة من عام 1956 التي تسببت بمقتل ملايين الأشخاص.
إن تقلب بايدن في آرائه بشأن لقائه مع بوتين يعد مؤشرا على افتقار الرئيس الأميركي للاستقرار الفكري، لذلك نتساءل إن كان يسيطر فعلاً على حكومته وسياساتها، وفي ظل الظروف الراهنة نرى أن العالم لا يستطيع تحمل رئيس للولايات المتحدة لا يستطيع السيطرة على حكومته.
المصدر New Easter Outlook