الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
لم يعد خافياً على أحد حجم وأبعاد المؤامرة الخبيثة التي حيكت على سورية خلال السنوات الماضية، حيث بدأ التخطيط لها منذ العام 2003 إبان الحرب الكارثية والغزو الهمجي للعراق، يقول أحد الجنرالات الأميركيين المشاركين في الحرب آنذاك “إن ما يهمنا هو إسقاط الأنظمة التي تقف حائلاً أمام مصالح أمريكا ولا نستبعد سورية وحزب الله بعد العراق”, وهذا يعني أن ما جرى في العراق آنذاك لم يكن سوى مقدمة لاستهداف سورية باعتبارها رأس حربة المقاومة ضد المشاريع الصهيونية والأميركية والأطلسية، وكونها صاحبة الدور الريادي في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة والمنطقة العربية، وحاملة راية القضية الفلسطينية بصورة خاصة.
ومن هنا نستطيع أن نفهم كيف تم التخطيط لما يسمى بالربيع العربي ومحاولة تصدير ما يسمى بالديمقراطية والحريات تحت شعارات زائفة ومخادعة، انخدع بها البعض ربما بحسن نية وانساق خلفها البعض الآخر عن سابق إصرار وترصد طمعا في الحكم والسلطة دون أن يكون لديه مانع من أن يكون أداة رخيصة تخدم المشاريع الأجنبية, وبنظرة شاملة لما جرى خلال السنوات العشر الماضية نكتشف خطورة هذا الربيع المزيف الذي بدأ بتدمير ليبيا واليمن وتقسيم السودان ومن ثم تعميم الفوضى العارمة في كل من تونس ومصر إلى جانب العراق الذي كان الانسحاب الأميركي منه زائفا وكاذبا، إذ سرعان ما اتجه عملاء أميركا من إرهابيين في “جبهة النصرة وداعش” من العراق إلى سورية، تحت عناوين وشعارات أخرى لتحقيق أهداف المخطط الصهيوني الإمبريالي القائم على إثارة الفتن والخلافات باسم الدين برعاية أميركية اعترفت بها إدارة أوباما, كما تم تجنيد بعض الأنظمة العربية في الخليج لتمويل الفوضى الأميركية “الخلاقة” من أجل تحقيق أهداف الكيان اللقيط “إسرائيل” وكلنا رأينا التماهي الكامل بين المشروعين الإرهابي المصدر إلى سورية والمشروع الصهيوني، لدرجة التحالف والمساندة والدعم المباشر من قبل “إسرائيل” للمجموعات الإرهابية تحت عناوين مزيفة حيناً وعناوين واضحة مباشرة حينا آخر.
وبناء عليه نستطيع أن نستوعب حجم وشراسة الهجمة الإمبريالية الصهيونية على سورية بوصفها حاملة المشروع القومي العربي ورأس حربة المقاومة للمشاريع الأجنبية, حيث كان الهدف منها القضاء على دورها العربي ذي التأثير الكبير في الشعب العربي من المحيط إلى الخليج, حيث عرت سورية الأكاذيب الأميركية التي بررت غزو العراق وتدمير ليبيا، وفضحت نوايا الدول الغربية التي كانت تهدف إلى زعزعة استقرار الوطن العربي ونهب ثرواته وإخضاع شعوبه, مع مصادرة الهوية العربية وسلب شخصية الإنسان العربي وتحويله من ابن بار لوطنه وأمته مستعد للدفاع عن كرامتها وسيادتها وحريتها مهما كانت الأثمان، إلى إنسان سلبي يائس محبط لا تعنيه كرامة وقضايا أمته يبحث فقط عن لقمة عيشه وشؤونه الحياتية الخاصة.
ولكن الموقف السوري الشجاع المستمد من حكمة السيد الرئيس بشار الأسد والمدعوم من أصدقاء وحلفاء حقيقيين على الأرض قد استطاع إسقاط المؤامرة وكل المبررات والأكاذيب التي سيقت في إطارها، ليظهر الغرب وأدواته على حقيقتهم، وكيف استخدموا التحريض المستمر على الفوضى والدمار وتعطيل أي جهد للحل السلمي، عبر شحن نفوس العملاء ممن باعوا ذممهم وضمائرهم للأجنبي الطامع من أجل قتل البشر وتدمير الوطن كحال المرتزقة والإرهابيين المتبقين في الشمال وفي محافظة إدلب.
اليوم وصلت المؤامرة إلى آخر فصولها الخبيثة بعد أن عجز الإرهاب والتدخل الأميركي والتركي والإسرائيلي عن تحقيق الأهداف المرسومة لمؤامرتهم الدنيئة، فاتجهوا مرة جديدة إلى دعم الإرهابيين من أجل تخريب الأمن والاستقرار وتعطيل الاستحقاق الدستوري القادم، وإلى حصار الشعب السوري لإضعاف عزيمته ومحاولة تفريغ الانتصار العسكري والسياسي الذي حققته دولته وجيشه وشعبه وقيادته من مضمونه، وإلى سرقة ثروات الشعب السوري والتضييق عليه في لقمة عيشه، وإلى استخدام المنظمات الدولية كأدوات للضغط على سورية من أجل إيقاف عجلة تقدمها باتجاه التعافي والعودة إلى دورها وموقعها وتأخير الحل السياسي الذي يناسبها ويناسب شعبها ويحقق مصلحته، ولكن كل ذلك لن يكتب له النجاح، فهذا شعبنا يعبر عن إرادته ورغبته كل يوم بالمضي قدما نحو الانتصار والاستقرار وإنجاز كل الاستحقاقات الوطنية لتعود سورية أقوى وأفضل مما كانت برغم المؤامرات والمكائد والضغوط التي تستهدفها.