الثورة أون لاين- يمن سليمان عباس:
تمر هذه الايام الذكرى الثامنة والثلاثون لرحيل الشاعر العربي الرؤيوي أمل دنقل الذي أصبحت قصيدته لا تصالح ترنيمة على كل لسان شريف , لا تصالح العدو الصهيوني الغاصب الذي ارتكب افظع الجرائم , لا تصالح العدو الذي لايعرف الرحمة , كثيرة هي الاسرار التي تتكشف كل يوم عن عبقرية هذا الشاعر , وما كتبته عبلة الرويني في الجنوبي لم يكن إلا القليل القليل , صحيفة أندبندنت العربية , نشرت العام الماضي الكثير من الاسرار التي تابعها الكاتب المصري عبد الرحمن ابو بكر حيث يعرض الكثير مما وصل إليه ومنها تجربة زوجة الراحل عبلة الرويني التي تقول :
أرملة الشاعر أمل دنقل، عبلة الرويني، تحكي عن تجربة مرض زوجها قائلة “كان لا يعرف الخوف، صخرياً شديد الصلابة، لما اكتشفنا إصابته بالسرطان لم يهتز قط، بل واجه تلك المرحلة بشجاعة كبيرة أدهشت كل من حوله، وحين تمكنت الأورام السرطانية منه قرر الأطباء أن يقيم مدة عامين تحت الرعاية الطبية في معهد الأورام في الغرفة “رقم 8″، حيث نضجت موهبته، وقدم للمكتبة الشعرية أفضل ما كتب من شعر عربي في مواجهة الموت والمرض”.
وهذا ما أشار إليه حسين السمهودي، الباحث في شعر الشاعر، والذي وصف إنتاجه في فترة المرض بالغزير، مقارنة بالسنوات السابقة تلك المرحلة، إذ قدم في هذه المرحلة ديوانه المميز “أوراق الغرفة رقم 8″، الذي سجل فيه مرحلة مواجهة الموت والمرض في معهد الأورام، على الرغم من حالته الصحية المتأخرة، ولم يستطع المرض أن يوقفه عن الكتابة حتى أن الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قال عن ذلك “إنه صراع بين متكافئين، الموت والشعر”.
وأضاف حسين أن آخر ما كتبه دنقل قبل رحيله قصيدة “الجنوبي”، وتكتنفها رؤية فلسفية عميقة للموت والحياة، ليرحل بعدها بساعات قليلة في 21 ايار 1983، ويدفن في بلدته طبقاً لوصيته التي تركها للدكتور جابر عصفور والشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي.
عرف امل دنقل بتفرد رؤاه للقادم ولاسيما في البكاء بين يدي زرقاء اليمامة :
نبوءة الزرقاء :
قلت لهم ما قلت عن قوافل الغبار؟؟؟
فاتهموا عينيك, يا زرقاء, بالبوار!
قلت لهم ما قلت عن مسيرة الأشجار…
فاستضحكوا من وهمك الثرثار!
وحين فوجئوا بحد السيف: قايضوا بنا…
والتمسوا النجاة والفرار!
ونحن جرحى القلب, جرحى الروح والفم.
لم يبق إلا الموت…والحطام…والدمار…
وماتزال اغنيات الحب…والأضواء
والعربات الفارهات…والأزياء
فأين أخفي وجهي المشوها
كي لا أعكر الصفاء…الأبله…المموها
فى أعين الرجال والنساء!؟
وأنت يا زرقاء…
وحيدة…عمياء!
وحيدة…عمياء!!
أعمال أدبية لم تنشر
أخرج أخو الشاعر أنس دنقل عدداً من الأعمال الأدبية التي تركها شقيقه ولم تخرج للنشر حتى الآن، وأشار إلى أن الأعمال التي لم تنشر هي مسرحية شعرية بعنوان “الخطأ” و20 قصيدة غالبيتها قصائد غزلية، مازالت تبحث عن فرصة للطباعة تناسب القيمة الشعرية للراحل، علماً أن أرملته تحتفظ بمسرحية لم تنشر أيضاً بعنوان “الحاكم بأمر الله”.
وأكد أنس أن أمل دنقل لم يسع إلى التكريم طيلة حياته، كما كرم رفيق دربه الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي الذي أطلق اسمه على أحد ميادين مدينة الإسماعيلية التي كان يسكنها مع أسرته، إلا أن أسرته ترى أن التكريم الأكبر الذي حاز عليه هو حب جماهير الشعر في العالم وتقديرهم له، فسنوياً يزور قبره، أدباء وشعراء ونقاد من دول العالم الغربي والعربي، كتونس والجزائر والمغرب ولندن وأميركا وسويسرا، تعظيماً لإنتاج يستدعي الفخر.
لا تصالح..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا – بهجةُ الأهل – صوتُ الحصان – التعرفُ بالضيف – همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة
يذوي – الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ – مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد وامتطاء العبيد
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!
لا تصالحْ
لا تصالحْ