الثورة – أحمد صلال – باريس:
في مرسمه المغمور بضوءٍ هادئ في مدينة أوسترودة آم هارتس الألمانية، تتناثر الريشات وأكوام الألوان كما لو أنها ذاكرة حيّة لبلدٍ بعيد، يُقاوم النسيان.
الفنان التشكيلي السوري عبد الكريم الحسن لا يرسم من أجل الفن فحسب، بل من أجل الكرامة، ومن أجل الأطفال، ومن أجل أن تبقى سوريا، رغم كل شيء، على قيد الذاكرة.
في هذا الحوار، يصحبنا عبد الكريم الحسن في رحلة بين تجربته الفنية، ومشاريعه الاجتماعية، ورؤيته للثورة، والطفولة، والفن بوصفه خلاصاً جماعياً لا فردياً.
“وُلدت في الرقة، على ضفاف الفرات، منذ طفولتي، كانت الألوان تشدني أكثر من الكلمات، الفجر، غبار الأرض، ظل شجرة… كل شيء كان بمثابة لوحة”هكذا يختار الفنان التشكيلي السوري عبد الكريم حسن في حديثه لصحيفة “الثورة”ويتابع قائلاً:
“لم أتعلم الفن من الأكاديميات أولاً، بل من الطبيعة، من الماء والتراب والهواء”.ويستطرد”اليوم، أينما عرضت لوحاتي– في برلين، مدريد، أو كوبنهاغن– أشعر أنني ما زلت أرسم من هناك.. من الرقة”
دعنا نتحدث عن مشروعك الإنساني الأشهر: “أكبر لوحة للأطفال في العالم – رسالة ضحايا الحروب”. كيف بدأت الحكاية؟
في 2012، كنت في أحد الملاجئ بالأردن، وسط الأطفال، ومن دموعهم ولدت الفكرة، قلت لنفسي: إذا لم نستطع وقف الحرب، فلنُسمع صوت ضحاياها.
أردت أن أقول للعالم: هؤلاء الأطفال ليسوا صوراً عابرة في الأخبار، بل أرواحٌ تنزف”وعن الدول التي عرضت فيها لوحاته يرد الحسن “اللوحة بدأت في الأردن، ثم تنقلت بين: مصر، الجزائر، المغرب، إسبانيا الدنمارك، ألمانيا” وحول ميزة كل مكان على الظرف التشكيلي، يجيب الحسن “كل بلد أضاف لوناً، قصةً، ووجعاً.
اليوم، نعمل على تسجيلها في موسوعة غينيس كأكبر عمل تشاركي للأطفال المتضررين من الحروب. ليس من أجل الرقم، بل من أجل الذاكرة”.
لنتحدث عن “براعم الحرية” عندما يصبح الرسم علاجاً أنشأت مرسم براعم الحرية عام 2012 لمعالجة الأطفال السوريين الذين أصيبوا بصدمات بسبب الحرب، فقدانهم لأهلهم، منازلهم، وحتى أطرافهم، ترك فجوة نفسية هائلة”.
لم يكن العلاج الطبي كافياً، لذلك فتح الحسن نافذة اسمهاالرسم “بدأ الأطفال يرسمون البيت الذي قصف، الأب الذي اختفى، المدرسة التي أغلقت. وبدؤوا شيئاً فشيئاً، يتحدثون بعد صمت، يضحكون بعد بكاء، ويتحسّنون دون دواء”، الألوان لم تكن ترفاً، بل ضرورة نفسية عند الحسن. الفن عند الحسن ليس زينةً للحائط. هو موقف، وثيقة، وصرخة، يحاول من خلالها أن يكون فاصلاً بين “الرصاصة القاتلة” و”قلم الرصاص الحالم”. هذه الثيمات كانت عناوين رئيسية في معارض جابت العالم منها مصر، الجزائر، المغرب، الأردن، الدنمارك ألمانيا، إسبانيا، الدنمارك وغيرها. يوضح الحسن رسالته من هذه المعارض “أن السوري ليس فقط ضحية حرب، بل صانع أمل وفن وثقافة”.
أسس الحسن Galerie Karim في مدينة أوسترودة آم هارتس الألمانية، كفضاء فني وإنساني مفتوح للأطفال والناشئة، خاصةً من خلفيات مهاجرة أو متأثرة بالحروب والنزوح. “المنتدى ليس مجرد مرسم، بل مساحة للرؤية والاندماج، ولتطوير المواهب الفنية في مجالات مثل: الرسم والتصوير التشكيلي، الموسيقا والغناء”.الهدف الأساسي عند الحسن هو استخدام الفن كجسر ثقافي واجتماعي، يعزز ثقة الطفل بنفسه، ويمنحه مساحة آمنة للتعبير، كما ينمّي التفاعل مع المجتمع الألماني المحلي.
ويقول الحسن:” افتتحنا المشروع بدعم رسمي ألماني، بحضور مسؤولين وممثلين عن المجتمع المدني، وقد لاقى منذ انطلاقه اهتماماً واسعاً في الأوساط الثقافية والتربوية هنا”.
ويختم الحسن حديثه”، مجيباً عن الدولة السورية الجديدة، أقولها بوضوح: “سوريا بدون الأسد أجمل”، لأنه يعتبر الحسن أننا اليوم نملك فرصة، وإن كانت صعبة، لنعيد بناء الهوية، ونستعيد كرامتنا.”جيل الثورة لم يمت، وإن أرهقه الطريق.. أنا كلي فخر لا ينطفئ، وألم لا ينتهي، لكني أؤمن أن الكرامة فكرة لا تموت”.