الثورة- أحمد صلال – باريس:
أعظم أعمال السينما الجزائرية، يجمع بين الغنائية والبساطة، قوة ملحمية في خدمة قضية سياسية هي السمة الأساسية لهذا الفيلم النادر، الحائز على السعفة الذهبية في كان عام ١٩٧٥.
أحمد، فلاح فقير، يغادر قريته إلى المدينة بحثا عن حياة أسهل، يلتقي بميلود، رجل مجنون صاحب رؤية، وفوق كل ذلك، مبتلى بالفقر والظلم.
يروي الفيلم من خلال حياة عائلة وبعض الشخصيات الرمزية، مقاومة الشعب الجزائري بأسره لمصادرة أراضيه وتدمير ثقافته.
عُرض فيلم “وقائع سنين الجمر” ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي عام ١٩٧٥، وحصل على جائزة السعفة الذهبية التي منحتها لجنة تحكيم جائزة جان مورو، وهي سابقة لفيلم أفريقي.
أخرج محمد لخضر حمينة، المدير السابق لمكتب الأنباء الجزائري، وهو أيضًا مصور سينمائي، ثلاثة أفلام روائية طويلة، منها “ريح الأوراس” (١٩٦٦).
أُنجز هذا الفيلم بفضل الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينمائية، وهي منظمة عامة أنشأها المخرج، والتي أعطت زخماً للسينما الجزائرية. استوحى المخرج سيناريو “وقائع سنين الجمر” من ذكريات طفولته وشبابه (لأن والديه مزارعان، وكان ملتزما باستقلال الجزائر)، وشارك في كتابته توفيق فارس.
تنقسم القصة إلى ستة أجزاء: سنوات الرماد (الجفاف، الفقر، الهجرة الريفية)، عام العربة (الحرب العالمية الثانية وآثارها)، سنوات الجمر (في فترة ما بعد الحرب، صعود الوعي السياسي في مواجهة الاستعمار)، عام الهجوم (انتخابات 1947، الجدل بين الشرعية والقتال المسلح)، سنوات النار (الانتفاضات في الريف، صعود الماركسيين)، 1 نوفمبر 1954 (بداية الحرب الجزائرية).
محمد لخضر حمينة جزء من حركة سينمائية ملتزمة صراحةً، تُدين الجرائم التاريخية للقوى الاستعمارية، كما اقترح عثمان سمبين، في سياق آخر، في فيلم “لا نوار دو…”. لأن الظلم الجوهري للاستعمار هو ما يتجلى في هذه القصة الشاملة: مصادرة الأراضي، واستخدام العمالة القسرية، وعدم المساواة في الوضع القانوني، واستخدام “السكان الأصليين” كوقود للمدافع.
أما صورة الفرنسيين، فنادراً ما تُقدم بطريقة جيدة، مثل رئيس العمال البغيض الذي يؤدي دوره فرانسوا مايستر أو الشرطي الوحشي الذي يؤدي دوره جاك ريتشارد، لا يُمكن لوم المخرج على المناخ الشكسبيري، فقد تكون الوقائع الحقيقية أشد فظاعة، وهي أيضاً سمة بعض الأفلام السياسية التاريخية العظيمة التي تُشدد على هذه النقطة، من فيلم “البارجة بوتيمكين” لإيزنشتاين إلى فيلم “1900” لبيرتولوتشي.
هذا لا يمنع المخرج من أن يكون أكثر دقةً عندما يستحضر، على سبيل المثال، عدم تجانس حركة الاستقلال قبل اندلاع الحرب الجزائرية. في هذه اللوحة الجدارية الفخمة، تبدو الشخصيات، حتى الشخصيات الرئيسية، ثانوية، إذ تمتزج دراماهم الفردية بالدراما الجماعية، مثل أحمد، بطل الرواية، الذي ينتقل من الإحباط المُكبوت إلى المطالبة المُلحة.
دعونا نسلط الضوء هنا على جودة طاقم العمل، الذي يضم، من بين آخرين، الممثل اليوناني يورغو فوياجيس، والشيخ نور الدين (نور الدين مزيان)، ومحمد لخضر حمينة نفسه، الذي أبدع في دور الراوي شبه المجنون. إلا أن النجاح الباهر لفيلم “وقائع سنين الجمر” يكمن في إخراجه، الذي يجمع بين العملاقية والبساطة، مع تصوير رائع للصحراء، وإخراج مثالي للعديد من الممثلين الإضافيين.
إن الاستخدام المتقن للمنظار، ورفع الرافعة، واللقطات البانورامية، يمنح الفيلم الروائي نفحةً منعشةً لا يمكن إنكارها. وقد حظي فيلم “وقائع سنين الجمر” بمسيرة تجارية محترمة عموما كفيلم أفريقي، بفضل جائزة كان التي حاز عليها.
أما محمد لخضر حمينة، الذي انتقده البعض لاحقاً لكونه “المخرج الرسمي للنظام”، فقد أخرج أفلاماً روائية أقل شهرة، مثل فيلم “الصورة الأخيرة” (1986) الذي أُنتج بالتعاون الأكاديمي، سقط فيلم “وقائع سنوات الجمر” في غياهب النسيان ظلما، دون إصداره على أشرطة VHS أو DVD.
قامت مؤسسة الفيلم بترميم الفيلم بتقنية 4K، وعُرض في قسم كلاسيكيات كان بمهرجان كان السينمائي في مايو 2025، وهو نفس يوم وفاة المخرج.