الثورة – رفاه الدروبي:
حكم تاريخنا منذ أقدم العصور طغاة على تنوِّع أشكالهم وألوانهم، وهنا تكمن الأهمية البالغة لموضوع الحرية والعبودية المحتاجة إلى العديد من المؤلفات والمحاضرات.
مقدمة بدأها أمين سر الجمعية الجغرافية إبراهيم فاخرة أثناء ترأسه ندوة ثقافية فكرية نظَّمتها الجمعية الجغرافية، مُستمدِّاً عنوانها من مقولة الخليفة العادل عمر بن الخطاب: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”، قدَّمها الدكتور زياد قدور في الجمعية الجغرافية بدمشق.
فاخرة اعتبر أنَّ استبداد الحاكم للشعوب السبب الحقيقي وراء تخلفها في جميع المجالات الفكرية والعلمية والاقتصادية، متسائلاً حول كيفية نشوء الحاكم المستبد، ومبرراته أنَّه يدَّعي أن مجيئه كان لإنقاذ الأمة، وإصلاح ما أفسده الحاكم السابق ومبعوث العناية الإلهية.
وأشار رئيس الجمعية التاريخية الدكتور زياد قدور في محاضرته إلى أنَّ مناخاً سياسياً واجتماعياً جديداً، يتشكَّل على أنقاض استبدادٍ جثم على صدر الوطن لعقود طويلة، وأصبح في زمن يبدو الفكر الحر حقَّاً لا تهمة، والوعي أولوية لا ترفاً فالعبارة التاريخية للخليفة العادل عمر بن الخطاب، تحوَّلت مع الزمن إلى شعار خالد للعدالة والكرامة الإنسانية، وللحوكمة الرشيدة المبنية على أسس المساواة، والمساءلة، والحرية الفردية، ورفض الاستعباد بأيِّ صورة وشكل، بعد تغيير سياسي جذري شهدته سوريا، مع سقوط النظام البائد مَنْ عاث فساداً واستبداداً، وقمعاً للفكر الحر، مُدخلاً المجتمع في دوائر من الخوف والتخوين والقمع الفكري، ومُحيلاً البلاد إلى فضاء مغلق، بحيث تنعدم فيه الحرية الفردية، وتُجرَّم الكلمة، ويُقتل الإبداع في المهد.
كما أكَّد الدكتور قدور على أنَّ تحرير الوطن يبدأ من تحرير العقل، وأنَّ بناء سوريا الجديدة لن يتمَّ إلا عبر ثورة فكرية متكاملة تطيح بكلِّ أدوات القهر والاستعباد السياسي والاجتماعي والفكري وفق رؤية فكرية جريئة، ثمَّ فنَّد ذلك خلال محاضرته وفق أسلوب تحليلي علمي دقيق، معتمداً على أربعة أعمدة فكرية مركزية في تحليل بنية الاستبداد وطغيان الفكر، بالاستناد إلى كتاب عبد الرحمن الكواكبي “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، إذ تناول الطغيان السياسي والديني، ودور الجهل في صناعة العبودية، مع مقارنات حيَّة حول كيفية تغذية الاستبداد من خلال تغييب العقل وإفقار الوعي.
كذلك انتقل إلى كتاب “سيكولوجيا الجماهير” لغوستاف لوبون، متناولاً كيفية تحوّل الجماهير في ظلِّ القمع إلى أدوات طيِّعة في يد الطغاة، وغياب العقل الفردي فيها لصالح الغريزة الجماعية.
أما الكتاب الثالث: “اغتصاب العقل” للكاتب لجوست ميرلو، فيُحلِّل تقنيات غسل الدماغ والتلاعب بالعقول، وتمَّ ربطه بشكل مباشر بأدوات الإعلام في النظام البائد، لتصبح خادمة له كأداة قمعيَّة بامتياز، وكتاب “الطاغية” للكاتب عبد الفتاح إمام، عارضاً تحليلاً فلسفياً عميقاً لبنية الشخصية الطاغية، وآليات إنتاجها ثقافياً ودينياً واجتماعياً، مُركِّزاً على تشريح العقل الجمعي السوري في ظلِّ القهر.
بينما ربط الدكتور زياد النظرية بالواقع فأوضح أنَّه لا يجب البقاء في إطار التنظير الأكاديمي، بل لا بدَّ من تجسيد الطرح عبر صور توثيقية، ومقاطع فيديو أرشيفية، وشهادات حية من الواقع السوري خلال العقود الماضية، طارحاً رؤية جديدة لبناء سوريا الحرة، مؤكِّداً أنَّ النهضة تبدأ من إعادة تأهيل العقل المجتمعي، وإصلاح التربية والتعليم، وترسيخ قيم الحوار والنقد والتفكير العلمي الحر، ورفض تقديس الأشخاص، وإعلاء الفكرة، كما قال ابن خلدون: “الحر يدافع عن الفكرة مهما كان قائلها، والعبد يدافع عن الشخص مهما كانت فكرته”، داعياً إلى
الانفتاح السياسي والمجتمعي على جميع مكونات المجتمع السوري، وإلغاء الإقصاء الفكري والديني والسياسي، وإعادة دور المؤسسات التربوية والتعليمية في بناء الوعي الجمعي، إضافة إلى تبنِّي البحث العلمي، والنقد الفكري كمنهج حياة، من البيت إلى المدرسة، ومن الجامعة إلى مؤسسات المجتمع المدني.