الثورة – أحمد صلال – باريس:
تسعى صحيفة الثورة أن تكتب تاريخ الحراك الثوري السوري في العاصمة الفرنسية باريس، ضد الحكم الأسدي المخلوع، حرصاً على تسجيل مواقف بطولة وشجاعة، حتى لا تكون صورة عابرة لتوثيق الحدث الكبير ضد التزييف والتشويه.
لكل منهم اسم وقصة جديرة أن تروى، مثل علي زرقان الرجل غير العادي، رجل كان له موقف مع الثورة السورية من اليوم الأول للثورة ضد حكم الديكتاتور الأسدي، رجل لا يمكن له أن يسكت عن كلمة الحق، واختار أن يقف مع الضحية ضد الجلاد.
عند انطلاق الثورة السورية لم يكن علي زرقان يتمتع بمنصب أو وظيفة لكي ينشق عن الحكومة غير الشرعية آنذاك أو التأييد لها. اختار زرقان أن يقف ضد النظام الذي يقمع الناس ويتلذذ في تعذيبهم حتى الموت، وكان من بين مجموعة صغيرة تخرج للتظاهر يوم كل سبت في ساحة “شاتليه”، وأحياناً خارج هذا اليوم حيث يتطلب ظرف الحراك الثوري في البلد الأم.
منذ سنوات طويلة ترك زرقان سوريا واستقر في باريس، شاب صغير متوسطي الملامح، يحمل ماجستير في اللغة الفرنسية ويعمل في محكمة”فرساي”، صاحب سيرة طيبة يشهد بها الجميع من داخل العمل وخارجه.
كان من بين مجموعة صغيرة تتظاهر في ساحة شاتليه كل يوم سبت تحت مسمى تنسيقية الثورة في باريس، يجمعهم وطن واحد وعلم واحد، وهو علم الثورة السورية، علم الثورة السورية كان قضية بالنسبة لزرقان، وقد بادر مع مجموعة من الوطنيين لتأسيس جمعية 18 آذار والاستمرار بالتظاهر في ساحة “شاتليه” تحت علم الثورة السورية.
لم يقتصر جهد منظمة 18 آذار التي أشتغل على ظهورها للعلن علي زرقان على تنظيم المظاهرات بل قام بتنظيم حملة لجمع المواد الطبية والأدوية لإرسالها للشمال السوري عن طريق مدينة ميرسين التركية، وكان ذلك في 12/1/2012، إذ قاموا بتسليم أكثر من 300 حقيبة طبية تحتوي على مواد إسعاف أولية إلى الثوار في منطقة دركوش بإدلب المحاذية للحدود التركية.
وقاموا أيضاً باسم جمعية 18 آذار في الشهر الرابع 2012 بإرسال سيارة إسعاف محملة بمواد طبية أولية إلى مدينة دير الزور تم استلامها من ميناء مدينة ميرسين التركية، كما قاموا بالتعاون مع إتحاد المنظمات الطبية السورية في فرنسا بإرسال مستشفى ميداني إلى الشمال المحرر.
وبالتعاون مع منظمة سيريا شاريتي الفرنسية قاموا بكفالة أكثر من 400 يتيم في الجنوب السوري في مدينتي الحارّة والصنمين بالإضافة على الإشراف على المستشفى الميداني وكادره الطبي أيضاً بمدينة الحارّة بالتعاون مع منظمة إنجاز آنذاك قبل تهجيرهم إلى الشمال السوري عام 2018.
كانت أغلب نشاطاته التضامنية يومي السبت والأحد من كل أسبوع وأيام العطل الرسمية في فرنسا وما أكثرها.
لم يتوقف علي زرقان عن نشاطه، وكان لدى الكثير من السوريين الأمل بانتصار الثورة منذ البدايات وأنها لن تطول خاصة بعد أن استطاع الجيش الحر السيطرة على أكثر من 85 بالمئة، لكن عند استعادة قوات النظام البائد لمناطق كثيرة بدعم من حزب الله والميليشيات العراقية وروسيا وقبول مؤسسات المعارضة السورية بالحوار مع النظام البائد جعله هو ورفاقه أن يتخذوا قراراً بالوقوف ضد هذه المفاوضات وقاموا برفضها أمام مقر الأمم المتحدة بجنيف بشكل كلي حيث تظاهروا ضد مؤسسات الثورة التي قبلت الحوار في جنيف مع نظام قتل وشرد ملايين السوريين ورفعوا لافتة كتب عليها: “ياحيف والله ياحيف، قتلة وخونة في جنيف”.
كما قاموا بعدة مظاهرات في بروكسل أمام مقر الإتحاد الأوروبي ومدينة لاهاي الهولندية أمام محكمة العدل الدولية للتنديد بجرائم النظام وقصفه للمدنيين بالبراميل والغازات المحرمة دولياً.
بعد ذلك بدأ معظم السوريين مع مرور الزمن يفقدون الأمل بانتصار الثورة وخاصة بعد تهجير أهلنا بالباصات الخضراء من مدنهم وتجميعهم في الشمال المحرر بإدلب وما حولها، رغم كل هذا لم يفقد علي زرقان ورفاقه الأمل حيث تمت دعوته للبرلمان الفرنسي وشرح لهم مايحدث في سوريا وواصل التحرك أمام كل المنابر الدولية وحيث يجد فرصة لعرض مأساة الشعب السوري وما يتعرض له من إبادة جماعية وجرائم حرب تقوم بها روسيا وايران وميليشيات مارقة من لبنان والعراق.
وفي 2019 بدأ عدد السوريين يتناقص للمشاركة بالمظاهرات استمر ولم يفقد الأمل، وكان هو ورفاقه يخرجون أسبوعياً للتظاهر أمام سفارتي الاحتلال الإيراني والروسي في باريس، مطالبين بخروجهم من سوريا ومؤكدين أن “إدلب حيث تجمع الأحرار من كل المدن السورية الثائرة، ستكون نواة سوريا المستقبل” ولم يفقد الأمل بانتصار الثورة والخلاص من النظام البائد.
استمر على هذه الحال لكن بالمقابل بدأ أمل السوريين بانتصار الثورة ينهار ويتلاشى شيئاً فشيئاً، حتى أنَّ أبناءه فقدوا الأمل وكانوا ينظرون له نظرات الإشفاق بسبب استمراره بطريق لا أمل منه وأن النظام سيبقى والثورة لم تعد موجودة، ووسائل الإعلام العربية والعالمية لم تعد تهتم بأخبار الثورة السورية حيث أصبح الكلام عنها من الماضي.
وعند بداية الحرب الأوكرانية الروسية في 24/2/2022 واهتمام الإعلام الأميركي والأوروبي بأوكرانيا والتضامن معها، بدأت الجالية الأوكرانية بالتظاهرات والوقفات التضامنية، في أوروبا وخاصة فرنسا، ضد روسيا وزعيمها بوتين، ووجد فرصة للمشاركة والتضامن معهم لوجود عدو مشترك للشعبين السوري والأوكراني بوتين واعتباره مجرم حرب بحق الشعبين السوري والأوكراني، يشاركهم زرقان نشاطاتهم بانتظام ونرفع معهم علم الثورة السورية من جديد، ومن خلال ذلك بدأ الإعلام ينقل تدريجياً الأخبار عن مأساة الشعب السوري عارضاً الدمار الذي تقوم به روسيا في أوكرانيا شبيهاً تماماً بالدمار الذي تعرضت له المدن السورية من نظام الأسد البائد مدعوماً من روسيا وإيران.
بهذه الأثناء ولتذكير الإعلام العالمي بمأساة الشعب السوري والتأثير به بشكل أكبر، قام علي زرقان ورفاقه بالتعاون مع اتحاد الأوكران في باريس بإطلاق قافلة الحرية والتضامن مع الشعبين السوري والأوكراني والمطالبة بمحاكمة بوتين وبشار باعتبارهم مجرمي حرب، إذ انطلقت القافلة من أمام بلدية باريس بحضور برلمانيين فرنسيين وتواجد إعلامي كثيف، باتجاه مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل مروراً بمحكمة العدل الدولية في لاهاي وتسليمها رسالة مضمونها يجب إصدار مذكرة دولية لجلب مجرمي الحرب بوتين وبشار ومحاكمتهم على جرائمهم بحق الشعبين السوري والأوكراني، وكانت تحمل أيضاً رسائل واضحة للإعلام الأوروبي بأن “معاناة الشعبين السوري والأوكراني واحدة والمجرم واحد”، إلى أن وصلت القافلة للحدود الأوكرانية، وأمضت هناك يومان نقلت رسائل متعددة من خلال وسائل الإعلام العالمية المتواجدة هناك، أهمها المطالبة بمحاكمة بوتين والأسد ومثولهم أمام المحاكم الدولية المختصة كمجرمي حرب.
وفي 2023 بدأت معنويات السوريين تنهار تماماً وبدأت الدول العربية تعطي الإشارات للنظام بالموافقة لإعادة العلاقات معه وتعويمه من جديد وكان ذلك واضحاً عند دعوته لمؤتمر القمة للدول العربية في الرياض. قام علي زرقان بالتعاون مع نخبة من السوريين بتأسيس المجلس السوري الفرنسي للعمل على تعزيز العلاقات مع الدولة الفرنسية من أجل تقديم الدعم والعون للشعب السوري ومساندته في نضاله من أجل الوصول للحرية والديمقراطية وتحرير سوريا من الاستبداد والقوى الأجنبية وتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية لكل السوريين دون تمييز عرقي أو ديني، وتشكيل لجان قانونية للدفاع عن حقوق السوريين وتقديم الدعم والمساندة لهم في سوريا و فرنسا والدول الأخرى.
وبعد تأسيس المجلس السوري بأيام قام بتسليم رسالة لمنظمة اليونيسكو في باريس ووثائق كان قد أعدًها أحد المحامين السوريين الكبار، تثبت تورط الميليشيات الإيرانية بافتعال حرائق لمعالم أثرية في دمشق القديمة لإخفاء تاريخها ومخطوطات قديمة كانت موجودة في المعالم الأثرية كانت تحاول إيران طمسها ومسحها من الذاكرة البشرية.