الثورة أون لاين- ترجمة ميساء وسوف:
تُعتبر العقوبات الاقتصادية الواسعة شكلاً من أشكال الحرب، ومما لا شكّ فيه أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي المحارب الاقتصادي الأوّل والأكثر شيوعاً في العالم، فقد ازداد استخدام الولايات المتحدة المفرط للعقوبات، إضافة إلى إساءة استخدامها في العقدين الماضيين بشكل كبير.
وقد زادت العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدول بشكل كبير خلال سنوات رئاسة أوباما، ثم” انفجرت” في عهد ترامب بما يقارب 1457 قراراً في العام 2018 وحده، وقد مثّلت حملات “الضغط القصوى” المتعددة التي أطلقها ترامب تصعيداً دراماتيكياُ للحرب الاقتصادية ضد إيران وفنزويلا وكوريا وسورية، ولا يزال هذا مستمراً حتّى الآن للأسف.
لقد أبقى بايدن العقوبات التي فرضها أسلافه على حالها، وفي كل حالة، اختارت الولايات المتحدة شن مثل هذه الحروب الاقتصادية لمحاولة إجبار الدول المستهدفة على الاستسلام كما لو كانت هذه الدول مجرّد رعايا متمردة يجب إخضاعها والضغط عليها وليست دولاً مستقلة وذات سيادة.
إنّ مثل هذه الحروب الاقتصادية الجائرة تتسبّب في وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص، وقد تصل في حدودها القصوى إلى مئات الآلاف من الوفيات، والتي كان من الممكن تجنبها.
إن عدد الضحايا لا يفسر بالكامل البؤس الذي تسببه الحرب الاقتصادية، لكنه يذكرنا بأن العقوبات الواسعة قسرية ومدمرة وعن قصد، فالولايات المتحدة لا تحتاج إلى اللّجوء إلى عمل عسكري لإحداث خسائر في صفوف المدنيين في حروب غير ضرورية، إنها فقط تستغل قوتها الاقتصادية والمالية الضخمة لخنق الدول عندما يرفض قادتها الانصياع لإرادة واشنطن.
ومن الواضح أنّ وضع مجموعات سكانية بأكملها تحت شكل حديث من الحصار يؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالسكان المدنيين، كما أنّ خنق الناس اقتصادياُ ليس مجرّد “أثر جانبي” غير متوقع أو غير مقصود للحرب الاقتصادية، الأمر الذي يفترض أن يفعله الحصار، ففي بعض الأحيان يتم ذلك من أجل فرض عقاب جماعي على أمّة بكاملها، وأحياناً يكون محاولة لإثارة تغيير النظام من الداخل، كما أنّه يمثل دائماً هجوماً من قبل حكومة الولايات المتحدة على شعوب الدول الأخرى بسبب أشياء لا يمكنهم السيطرة عليها أو تغييرها فيتم فرض عقوبات واسعة النطاق على كل جانب من جوانب الحياة.
فقد قال البروفيسور أصلي بالي، في مؤتمر عقده مؤخراً معهد كوينسي حول آثار العقوبات: “إنّ العواقب الاقتصادية للعقوبات واسعة النطاق تؤثّر على البنية التحتية الصحية، والمياه والصرف الصحي، وإمكانية الحفاظ على التعليم، والوصول إلى الأطعمة الحيوية.. والعقوبات التي يتم فرضها هي في الواقع شكل من أشكال العقاب الجماعي الذي يؤدي إلى تجويع السكان المدنيين”.
غالباً ما يصور المدافعون عن العقوبات الواسعة على أنها “منخفضة التكلفة” أو أنّها “بديل للحرب”، لكن التكاليف التي يفرضونها هي فقط “منخفضة” على صانعي السياسة الذين يوقعون على هذه العقوبات، ولكن الناس على الطرف الآخر ينظرون إلى هذه السياسات على أنها هجوم عدواني عليهم وعلى بلدانهم، ومما يدعو للسخرية أكثر هو أنّ هؤلاء المدافعين عن العقوبات لا يكفون عن التظاهر بالقلق على مصير الشعوب التي اختاروا هم بأنفسهم تجويعها وإفقارها.
لكن، وكغيرها من الحروب الأخرى التي تشنها حكومة الولايات المتحدة فقد فشلت الحروب الاقتصادية ضد دول بأكملها بشروطها الخاصة، بل إنّها تتسبب فقط في معاناة هائلة وحرمان لعشرات الملايين من شعوب البلدان المعاقبة، كما أنّها في النهاية لا تحقق حتى الأهداف السياسية التي يدعي أنصارها أنهم يمتلكونها. وكما الحروب الأخرى، فإن العقوبات الواسعة التي تفرضها الولايات المتحدة على بلد لا تنتهي أبداً، إذ يبدو من السهل سياسياً فرض العقوبات كما أنّه لا يوجد ضغط على القادة السياسيين لرفعها.
يتم تطبيق العقوبات على العديد من القضايا المختلفة لدرجة أنه حتى لو امتثلت دولة مستهدفة لمطالب واشنطن في منطقة ما، فإنها ستظل تخضع لعقوبات لأسباب أخرى، كما هو الحال مع إيران على سبيل المثال، إذ يمكن للحكومة الخاضعة للعقوبات أن تمتثل بالكامل لمتطلبات الاتفاقية التي أقرها مجلس الأمن، وفي نفس الوقت لايزال بإمكان الولايات المتحدة أن تستدير وتعيد فرض عقوباتها مع الإفلات من العقاب.
إنّ إساءة استخدام السلطة المتغطرسة من قبل الولايات المتحدة بدأ في دفع الحكومات الكبرى الأخرى إلى البحث عن حلول لإجراء التجارة المشروعة دون التعرض للعقوبات الأمريكية، ويتعين على الدول الخاضعة للعقوبات أن تتكيف مع الحصارات وأن تجد طرقها الخاصة للتهرب منها في الوقت الحالي.
مما لا شكّ فيه أنّ الحرب الاقتصادية ضد الناس العاديين، والتعامل مع عشرات الملايين من الناس حول العالم على أنّهم أعداء للولايات المتحدة.. في حين أنهم لم يفعلوا شيئاً، هو أمر غير عادل، فالعقوبات ليست بديلاً عن الحرب، فهي تلحق الموت العشوائي للشعوب وتدمّر الدول.
هذا بالإضافة إلى أنّ الحرب الاقتصادية قد تكون مجرّد مقدمة لهجوم لاحق، كما أنّ هناك أسلحة وتكتيكات معينة يمكن اعتبارها عشوائية بطبيعتها وغير مبررة، ويجب وضع العديد من القيود على العقوبات، فالعقوبات الواسعة قاسية ولا يمكن تبريرها، وعلى الولايات المتحدة أن تكف عن فرضها بشكل عشوائي.
المصدر:
Anti-Empire