ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
يتزايد الاعتراف الغربي بوجود إرهابيين قدموا من دول أوروبية ويحملون جوازات سفر تلك الدول، كما جاؤوا من الولايات المتحدة الأميركية، بالتوزاي مع إقرار الاستخبارات والسياسيين الغربيين على حد سواء
بعودة ازدهار القاعدة وانتشار مساحات حضورها، بعد أن انحصرت، أو كادت، في بعض البقع المحدودة قبل المصالحة الأميركية مع التنظيمات الإسلامية ورفع «الحجاب» عن العلاقة معها، ويترافق بكمٍ لا ينتهي من تحذيرات وعواقب رحلة العودة المنتظرة للإرهابيين، أو تلك التي حصلت وانتهى الأمر بالنسبة لبعضهم.
والسؤال ماذا بعد ؟! وهل هذا نهاية المطاف، هل تكفي الاعترافات والتحذيرات والاحتياطات، أم إن القضية أبعد من ذلك وتخرج عن نطاق التوظيف السياسي لتصفية الحسابات الجزئية، وتدخل في بازار إعادة التموضع سواء كان في أوروبا أم في أميركا وحتى داخل المنطقة من أجراء وصناع وممولين للإرهاب؟
من الناحية العملية لا نلمس من الغرب أبعد من مماحكات جوفاء، ولاتبدو لدى ساسته وصانع القرار لديه رغبة تتجاوز ذلك الحيز السياسي الذي يستدرج مواقف وتصريحات لا تعدّل في السلوك السياسي الغربي، ولا تغيّر في مفردات الخطاب السياسي القائم على النفاق والازدواجية في المقاربات التي يقدمها الغرب عموماً في العلاقة مع الإرهاب وشعارات محاربته ومكافحته.
وبالتالي، ما يُبنى على تلك التصريحات والمواقف لا يدخل من باب التعويل عليه، ولا يمكن أخذه على محمل الجد في ظل معطيات متقاطعة تجزم بأن خطط دعم الإرهابيين أميركياً وأوروبياً لم تتوقف، وأن قنوات التواصل المفتوحة مع الأدوات الإقليمية دولاً وقوى وتنظيمات وأفراداً المنفذة لا تزال على حالها، بل تشهد في الأيام الأخيرة تكثيفاً غير مسبوق وسط تسريبات عن رفع درجة التنسيق بالمشاركة المباشرة في خطط الدعم والتدريب وتحديد الأهداف واختيار التوقيت وبرنامج التنفيذ.
نتفق جميعاً على أن النفاق الغربي حيال الموقف من مكافحة الإرهاب لم يتغير، وليس بوارد ذلك بحكم الدجل وتجاذبات العلاقة مع الإرهاب ووظائفها القائمة على مبادئ الخدمة والاستعانة بالإرهاب لتحقيق ما يعجز عنه بالهيمنة والضغط والابتزاز، وهذا الأمر ليس جديداً، وليس من الوارد في القاموس السياسي الغربي إعادة النظر في أبجديات التعاطي معه!!
لكن على المقلب الآخر من المشهد بمعطياته ذاتها، ودون أي تغيير، تتحضر أوروبا، كما أميركا، لموجة عاتية من الارتدادات الناشئة على هوامش رحلة العودة، وتجتهد دوائر القرار المعنية للحصول على إحداثيات المورثات الجديدة التي أدخلتها رحلة مشاركتهم في الإرهاب باتجاه سورية.
ولذلك لا تبدو التحذيرات المتزايدة من عودتهم ناتجة عن متغير في التعاطي، بقدر ما هي محاولة يائسة لتكييس وجه المعادلة الوسخة التي أنتجها النهج الغربي في دعم الإرهاب، وإذا كانت لا تُخفي خشيتها من انعكاسات العلاقة، وانقلاب المعطيات والاتجاه، فإنها بذات الوقت ليست جادة في المعالجة على الأقل في المدى المنظور، وهي في نهاية المطاف لا تعدّل في مقارباتها السياسية، ولا تشي بالرغبة في تبديل منهج الدعم أو التوظيف المزدوج للإرهاب.
الأخطر أن يظل الغربي يتوهم أن المنتج الذي أدخله إلى هذه المنطقة لايصلح للتسويق في الساحة الغربية، وأن البيئات الحاضنة التي تمت تهيئتها تظل عامل اختلاف يحول دون أن يتفشى الإرهاب في الغرب، وهي المقاربة الخاطئة التي دفع ثمنها الغرب في الماضي، ويتحضر اليوم لدفع ضريبة جديدة نتيجة قصور في العقل السياسي الذي لُدغ من الجحر «مرتين» والثالثة ليست ببعيدة!!
«الصدمة» المفتعلة من نمو القاعدة وبدء رحلة العودة للإرهابيين ليست مقتصرة على مستوى القرار الغربي، بل هي أيضاً تضيف إرهاصات أخطاء قاتلة، واستطالات لتسويق أوهام كاذبة حول محاربة الإرهاب، فيما العلاقة غير الشرعية تنمو في أحضان الاستخبارات الغربية، وتزدهر حتى اللحظة داخل جحور أدواتها في المنطقة.. لتكون الحاضن والمنتج والمسوق والراعي الحصري للقاعدة وسواها من التنظيمات الإرهابية!!
a.ka667@yahoo.com