اهتزت عروش، وتجلجل صوت الصولجانات وهي تترنح على بعضها البعض، غاب النوم من عيون حلمت بخراب بلادنا، كانت تنتظر يوماً تاه عنها بين تعداد السنين.. اليوم فر منها النوم؛ خجلاً مرة من موقفها المشحون حقداً، وأخرى لأنها فشلت في مبتغاها.. وتساقطت أحلامها كأوراق الخريف تذروها رياح الخماسين.
عاد الفرح المسروق وعاد صوت البلابل يصدح بعد غياب قسري، وارتوت شجرة الوطن الباسقة من الحبر على أنامل الملايين، وهي تؤكد شرف انتمائها للوطن الجريح الذي أعلن لملمة جراحه في السادس والعشرين من شهر أيار لعام ألفين وواحد وعشرين، شباب أطلق لعواطفه العنان لتعتلي صهوات النصر الأغر.
أغصان اشتد عودها عبر مواجهة سنين كبرت فيها قبل الأوان، حفيف ملايين الأوراق تصفق ليوم النصر، والثمر على ناصية النضوج، في مواسم العمل التي اصطفت أرتالاً تحاول التزاحم لتكون فِكَرُها وخططها هي أمل الرعيل الأول للعمل.
نصر مثبت لعيان العالم أجمع، أُودع في قلب الرجل الذي ما تخلى عن مسؤولياته رغم كل المغريات فلا باع ولا هادن، لم ينحن؛ ظل منتصباً مثل السيف الدمشقي في ساحة الأمويين، ليكتب أننا أبناء هذا الزمان وكل زمان.. والنصر معقود مع الشعب.
ها هو يمتثل لإرادة شعبه، الذي توج الوطن باسمه ليحمل عبء المرحلة القادمة، الرجل الذي عز في زمن تهاوى فيه الرجال، يحتاج للشرفاء من حوله يمسكون معه بمجاديف السفينة في بحر لجي حتى تستوي على جوديّ خصب بعد أن يغيض الماء.
عندها يرسب الفساد وتبتلعه الأرض؛ التي غاص فيها كل آثم امتدت يده بسوء على هذا الوطن.. تذوب ثلوج قاسيون لترفد مياه الفيجة فتنتعش وتروي نفوساً صافية نقية منذورة لحمل المسؤولية مع سيد الوطن.. ترتفع سواعدها لتنهض باسترسال عقول تجود بمكنوناتها، تتحد لصنع مستقبل أجمل في سورية المتجددة الوفية.
إن تحدثنا عن السنديان؛ هو الأقوى فلم تهتز للرجل قامة رغم شدة العواصف طوال سني الحرب.. التي لو مورست على أي رئيس لانحنى وتهالك والأمثلة كثر.. وإن تحدثنا عن الزيتون فجذوره راسخة في الأرض، مع كل أصيل أبى مغادرة أرضه.
وإن تحدثنا عن النخيل فأنت يا صاحب القرار والريادة من يطرح أينع الثمر في وطن تكالبت عليه الرعاع، لتحرم شعبه من لقمته، بفعل الحصار الجائر.. أما إن تحدثنا عن المطر، فأنت الغيث الذي لا ينقطع، أنت صفوان الوطن وعنفوانه.
بالأمس وأنت تشكر شعبك وتضع نفسك وجهدك في خدمته زرعت في كل نفس بذرة خير تخجل من ذاتها إن لم تنتش خيراً وصبّاً وجمالاً، ليأتلق الوطن من جديد أنت مع الله وشعبك، ولن يتخلى عنك الله ولا شعبك لأنك الصادق الأمين المؤتمن.
بعد الذي حدث داخل أرجاء الوطن وخارجه، لم يعد من شك في قلوب وعقول العقلاء، أما من بقي الشك يراوده بعد المشاهد الحية التي لا يمكن دحضها أو نفيها فالعيب فيه لا بزمانه، ولا بحقيقة المشهد الذي حضره حيّاً من شاء من الإعلاميين.
هذي هي سورية عرفت الحزن بكل معانيه وعاشت الضنك بكل وجوهه وتحملت الحصار كما لم يمارس على شعب في العالم. وضحت بما ضاهى تضحيات من وقعت عليهم حروب الأرض، واليوم ترسم الفرح بما تعجز عنه ريشة فنان عبقري.
شعب عظيم سطر ملاحم بطولية أعجزت الإلياذة، وحقق أنشودة الأجداد فكتب اسم بلاده على الشمس التي لا تغيب، زين بالفرح المرجة التي ازدانت يوماً بالشهداء، وحقق إرادته معاهداً الله بزحف الملايين لحماية بلده مع أسده، وعدم ركوعه إلا لله، ورفع علمه لِيُلالي به عالياً ويعلن بملء الحناجر أنه سوري عربي لا ينال شرفه أحد.
إضاءات – شهناز صبحي فاكوش