سورية بعد الاستحقاق الوطني الذي كان حامله الشعب السوري، هي من يحدد قواعد اللعبة ويديرها لأن القيادة في سورية ممثلة بالسيد الرئيس بشار الأسد امتلكت شرعية إضافية هي شرعية الانتصار، وهذا يظهر الحاجة لحوار وطني عميق وشفاف وواسع الطيف له عناوينه الرئيسية وتحدياته الواضحة والمشخص تشخيصاً دقيقاً وموضوعياً، ولا شك أن نجاح أي حوار هدفه بناء وطني مرهون بعدة عوامل في مقدمتها أن يكون حواراً عميقاً وشفافاً كأنما تطرح فيه كافة القضايا التي تتعلق بالشأن العام وما يرتبط بالأزمة وتفاعلاتها وأسبابها وسلامة وسلاسة الخروج منها وكيفية التأسيس لدولة أكثر مدنية ذات شروط وطنية تعكس حقيقة بناء سياسي على حوامل جديدة تتماهى أكثر مع مفهوم الديمقراطية ومتطلبات دولة القانون والمؤسسات، وهذا يستلزم بالضرورة طرح أفكار جديدة تحرك الراكد في حوض السياسة وتشكل حراكاً سياسياً ومجتمعياً يساهم الجميع في صناعته وحمايته والحرص على نجاحه.
هذا الحوار الوطني بصورته هذه يمكن له أن يكون أحد أهم وسائل الخروج من الأزمة، لسبب جوهري هو أنه سيتحول مع الزمن وعبر مستوياته اللاحقة وطريقة التعاطي المسؤول مع مندرجاته إلى مشروع وطني للتغيير يؤسس لعقد اجتماعي وطني جديد يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأساسية لا الطارئة للشعب العربي السوري، ويرسم ملامح مستقبل لأجيال ربما لن نكون فيها ولكننا بالتأكيد معنيون بها بحكم المسؤولية التاريخية والأخلاقية والوطنية، وهنا تبرز أهمية أن تكون الأجيال الشابة شريكاً أساسياً في رسم معالم ذلك البناء المستقبلي والشراكة الحقيقية والفاعلة في المعادلتين السياسية والتنموية وإدارة شؤون البلاد، وهنا تصبح قضية طرح المعادلة الإصلاحية ذات أهمية استثنائية سواء ما تعلق بالأدوات أو البنى الاجتماعية الحاملة لها، فليس من المنطقي أن يقود قاطرة الإصلاح المأمول وما يحتاج من أدوات وحوامل وروافع اجتماعية ذات العقلية والكوادر التي ترى أنها تصلح لكل الظروف والتحولات وكأنها الثابت في كل متغير دون مراعاة حقيقة أن لكل جيل خطابه ومفرداته وذهنيته واحتياجاته ونسقه المعرفي والأخلاقي وقناعاته التي يجب أن تحترم وتؤخذ بعين الاعتبار، وهذا لا يقلل من أهمية الخبرة والتجربة ولكن في حدود كونها الاستثناء لا القاعدة.
إن التغيير في أي مجتمع لا يمكن له أن يتحقق دون القيام بصدمات حقيقية في كافة مفاصله وبناه ليستطيع استعادة عافيته وديناميته ويعيد ترتيب أولوياته، فالسكونية هي داء عضال وقاتل للشعوب والأمم والمجتمعات والأفراد، هذا التغيير عبر الصدمات يمكن أن يطلقه تنظيم أو جماعة أو حزب أو فرد ليتحول حال الاستجابة له إلى وقود وطني محرك لأوسع قطاعات المجتمع، آنذاك لا يمكن لأي قوة أو شبكات مصالح وفساد أن تعوقه أو تقف في وجهه لأنه قادر على جرفها وإزاحتها هذا إن تجرأت أصلا على مواجهته أو عرقلة مساره، عندها يصبح الحديث عن عصا سحرية مسألةً ممكنةً لأنها هنا هي الشعب بقوته وطاقته التي لا تعرف الحدود. وبالعودة إلى أحاديث وكلمات السيد الرئيس بشار الأسد عن الأفكار الجديدة وكيف تتحول إلى إنجازات وضح سيادته أن الأفكار الجديدة تتفاعل مع مركبات الواقع فان لم تتفاعل معها هذه المركبات بالشكل المطلوب ستفشل العملية، ومركبات الواقع هنا هي المجتمع بمؤسساته وتنظيماته وقواه الفاعلة ودرجة تأهيلها المعرفي والذهني وقدرتها على الانخراط العملي في المشروع الجديد والتفاعل الإبداعي مع عناوينه ومفرداته وتحويلها إلى إنجازات وكائنات حية يلمسها الجميع.
إن الأفكار هي ثروة حقيقية يجب استثمارها وتوفير المناخ الملائم والمناسب لها، وقبل ذلك اختيار الأدوات القادرة على التفاعل معها وإنجازها أو على الأقل تأهيلها إن لم تكن قادرة على ذلك فلا إصلاح بدون إصلاحيين ولا ثورة بدون ثوريين وعندما يمر مجتمع في أزمة مركبة ومعقدة يصبح الزمن كالسيف إن لم تقطعه قطعك، عندها لا مجال للوقوف في منتصف الطريق فلا بد من إرادة تستعذب الاقتحام.
إضاءات- د خلف علي المفتاح