لم يعد مقنعاً أي حديث عن سعي هنا ودراسة هناك وغيرها من المصطلحات التي استهلكت على شكل وعود مؤجلة لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين وخاصة العاملين في الدولة، وبعيداً عن حديث زيادة الأجور والرواتب وتحسين التعويضات والحوافز والمكافآت التي لم ينل منها الموظف شيئاً حتى الآن، نجد أنه حتى السعي لتقديم الدعم بأشكاله (الذكية) قد تراجع بنسب كبيرة، والدليل ما نشهده من تمديد تلو التمديد لمهلة الحصول على الرز والسكر والذي كان من المفروض أن تنتهي منذ ثلاثة أشهر للبدء بتوزيع دفعة جديدة عن أشهر آذار ونيسان وأيار وحزيران…!!.
كذلك الأمر بالنسبة للخبز (المدعوم) حيث تتجدد محنة المواطن يومياً أمام الأفران للحصول على مخصصاته من الخبز والتي بالكاد تكفي استهلاك يوم واحد، والأمر ما يزال يطرح أسئلة وإشارات استفهام كبيرة حول أسباب تلك المعاناة بعيداً عن توجيه اتهامات هنا أو هناك بخصوص تهريب الطحين أو بيع المازوت المخصص للأفران أو حتى تسهيل بيع الخبز بأسعار (سياحية)…
في آخر جلسة لمجلس الشعب يوم الخميس الفائت تجددت الدعوات الملحة والمطالبات بزيادة عاجلة للرواتب والأجور بعد أن وصلت الأمور إلى حالة من السوء المعيشي لشريحة الموظفين لم يسبق لها أن وصلت إليه، في وقت وصل فيه سعر طبق البيض إلى تسعة آلاف ليرة وقرص الفلافل إلى مئة ليرة.
وبمناسبة الحديث عن مؤتمر الإصلاح الإداري فهناك من يرى أن أولى خطوات الإصلاح الإداري يجب أن تبدأ من تصحيح واقع الأجور والرواتب وتحسين الوضع المعيشي للعامل وإيصاله إلى عتبة الاشباع الأمر الذي يسد أبواباً كثيرة من الفساد والترهل والهروب من العمل وغير ذلك مما يؤثر على الأداء الوظيفي ويؤخر إنجاز العمل.
إن الحديث عن النظريات والطروحات والأفكار جميل جداً لكن واقع الحال يسوء يوماً بعد يوم في ظل الانفلات المستمر للأسواق التي تشهد غشاً وتدليساً وتلاعباً بالمواصفات وزيادات مضطردة بالأسعار دون أية مبررات حقيقية أو واضحة..
ولعلنا لا نذيع سراً اليوم إذا قلنا أن ملامح هجرة من القطاع العام إلى القطاع الخاص والأعمال الحرة، بدأت تتضح في وقت لم يعد الدخل يكفي لسد جزء من احتياجات الأسرة لخمسة أيام من الشهر، وفي هذا ما ينذر باستنزاف طاقات وخبرات ومهارات القطاع العام وإفراغه من كوادره المهنية والفنية وربما بعضها لا يمكن تعويضه نظراً لحجم الخبرات التي تم اكتسابها على مدى سنوات..
فهل سيكون هناك حلول قريبة لما يواجهه محدودو الدخل من معاناة معيشية فاقت كل القدرات، وهل ستفلح تلك الدراسات والوعود بإعادة التوازن إلى المجتمع وتقليص الفجوة التي تحولت إلى هوة واسعة بين محدودي الدخل وباقي فئات المجتمع من مهنيين وحرفيين وصناع وتجار وغيرهم الذين يتقاضون أجورهم وفقاً للأسعار الرائجة بعيداً عن أي اعتبار للأسعار واللوائح الرسمية التي تصدر من حين لآخر..؟؟.
على الملأ- بقلم أمين التحرير: محمود ديبو