ثورة أون لاين- رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
تشبه حكاية مسدسات الرياضة التركية مثيلتها من الأسلحة غير القتالية أو غير الفتاكة، حسب الترجمة لمصطلح الدعم الأميركي، مثلما تتطابق مع حليب الأطفال وأغطية الحريري التي تم سحبها من التداول، وتكاد التوليفة أن تكون ذاتها مع فارق التسويق والتوقيت.
قد لا يكون من المجدي الحديث في القرائن التي تدحض الادعاءات التركية والأميركية، ومن قبلها الحريرية والعقابية، لكن يبدو من الصعب على العقل أن يتخطى دلالات اللجوء والنفي، ومحاولة المداورة على الحقيقة لتسويق صورة مشوهة وعرجاء للمشهد القائم بتداعياته المستجدة وسط هذا الهلع الغربي من رحلة العودة للإرهابيين، وذعر إقليمي من مؤشرات الإفلاس للمشروع الأميركي الإخواني ورأس حربته الوهابي.
لذلك كان من الطبيعي أن يتم التعاطي مع المسألة من منظور المفارقة في القراءات السياسية، وربما من زاوية النكتة السمجة التي يتعاطى بها الخطاب التركي وهو يحاول أن يستنسخ سماجة الخطاب الأميركي في تبرير دعمه للإرهابيين، وبلادة ذريعة الحريري والمرتزق عقاب صقر في تمويل المسلحين والإشراف على خططهم، لكنها على الضفة الأخرى تحمل حقائق يصعب تجاهلها، وتعكس مشاهد تتطلب التوقف والتمعن في التفاصيل التي تحملها.
فالمقاربة التي تستدرج الموقف التركي باتجاهها تعكس متغيراً عملياتياً في هلعه من تسريب الوثائق الأممية والبيانات الجمركية، وجاء النفي على نحو مسرحي ينطوي على ارتجال مفضوح لا يمكن أن تخطئ العين في قراءته ولا في الاستدلال على مضمونه، وفيه ما يؤكد الحقيقة أكثر مما يوارب بعيداً عنها.
والأمر ينسحب أيضاً على المساعدات الأميركية غير الفتاكة، حين كشفت صور المستودعات التي استولت عليها التنظيمات الإرهابية بالتوصيف الأميركي عن الأسلحة الأكثر فتكاً التي تشكل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي من جهة، وحين يثبت بالدليل أن هذه الأسلحة المقدمة من أميركا وبريطانيا وفرنسا تصل إلى يد الإرهابيين مباشرة من جهة ثانية.
وفيما تتسارع كرة الثلج بالتدحرج، والكشف المبكر عن الفراغات القائمة في لائحة الذرائع والتبريرات، بالتوازي مع ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة الضغط على الدول الداعمة للإرهاب، يتجه المسرح الإقليمي نحو مشادات في المحاججة، ستدفع باتجاه فرد الأوراق.. مع اقتراب موسم الكثير من الاستحقاقات، وفي مقدمتها التحضيرات الجارية لمؤتمر جنيف، وما تكشفه الكواليس من مداولات وتدوير للزوايا لتقليل حجم الخسائر كحدّ أدنى، ومن ثم إعادة تقييم الأدوار الإقليمية على ضوء ما ينضج من عناوين تلك الاستحقاقات وما يؤجل أو يرحّل وحتى ما قد يلغى من القائمة حتى إشعار آخر.
ربمّا من المتاح أن تستمر «النكت» السمجة، تركياً وأميركياً وغربياً،بالتداول على نطاق خطاب النفاق الغربي وما يستدرجه تحت جناحيه من استنساخ له على المستوى الإقليمي، لكنه في نهاية المطاف سيرضخ تحت ضغط الهرولة السياسة المرشحة للتصاعد في الأيام المقبلة إلى كشف ما توهم أنه يسقط بالتقادم، أو يُرحّل بحكم التطورات أو عبر تدوير الزوايا أو من خلال إعادة معايرة الأدوار التقليدية لتكون منسجمة مع المناخ الدولي.
وحين تبدأ فضيحة التبرير التركي بمسدسات رياضية وبنادق صيد، وعندما تكون القذائف والصواريخ مساعدات غير قتالية، فمن المرجح أن ينتهي النفاق الغربي بالحديث عن المبادئ والمصالح والقانون الدولي، ولا غرابة في أن نجد في القريب العاجل لافتات تعلن إصدار قوانين على غرار قانون آل سعود الأخير أو على شاكلة الجدران العازلة التي تقيمها تركيا، وربّما في مرحلة لاحقة أن يصبح تنظيم القاعدة رائداً للديمقراطية، وجبهة النصرة وشقيقتها «داعش» نصيراً أبدياً لحقوق الإنسان، وأن تكون الوهابية التكفرية عنواناً للحلول السياسية في المنطقة والعالم!!
في زمن التحولات الكبرى والمراحل الفاصلة بين نظامين عالميين متناقضين تكثر المفارقات وتعلو أصوات النشاز، وتغرق الدول والحكومات في حسابات اللهاث خلف سواتر وعوازل النظام العالمي الجديد، وفي لحظة المخاض يصبح من الطبيعي لحكومة مثل حكومة أردوغان أن تعجز عن التفريق بين مسدسات الرياضة ومدافع الهاون، وبين بنادق الصيد وسبطانة الدبابة، وأن يلتبس الأمر على الحكومة الأميركية فلا تستطيع أن تميز بين سيرومات الأدوية والقذائف الصاروخية، وبين سكاكين الطبخ والساطور، وأن يصبح محاورها ونظيرها في الحلول السياسية «الجبهة الإسلامية» ومشتقات القاعدة!!
a.ka667@yahoo.com