الصناعة النسيجية.. بين المشكلات الفنية وسوءالتخطيط وغياب آليات التسويق

ثورة أون لاين: 

صناعة الغزل والنسيج من أقدم واعرق الصناعات التي عرفتها البشرية، ويعتقد الكثير من المؤرخين أن بلادنا هي الموطن الأول لهذه الصناعة.

‏وفي الشام تحديدا أبدع الدمشقيون في صناعة الأقمشة وعرفت منتجاتهم بأسمائها في أنحاء العالم كافة كأقمشة (الدامسكو، البروكار) التي لاتزال ذائعة الصيت حتى يومنا هذا..‏‏

وقد ضاعفت الميزات التنافسية لهذه الصناعات من حجم مساهمتها في الصناعة التحويلية لجهة الناتج الإجمالي المحلي إذ تسهم بنسبة 46,6% من الناتج الإجمالي المحلي للقطاع الصناعي وتشغل 30% من القوة العاملة بالصناعة ووصل عدد منشآتها الى حوالى 24000 منشأة، إضافة إلى عدد غير معروف من الشركات المصنعة غير المسجلة، ولذلك فهي ركن أساسي في القطاع الصناعي ورافد هام للخزينة العامة.‏‏

ومؤخرا تعرضت صناعة النسيج والألبسة الجاهزة الى مشكلات عديدة أدت لانخفاض إنتاجها بنسبة وصلت إلى حدود 50% بسبب عدم قدرتها على المنافسة أمام البضائع الأجنبية المستوردة، ثم جاءت الأزمة الحالية لتعصف بها بسبب ما تتعرض له من هجمات إرهابية مبرمجة طالت شركات ومصانع القطاعين العام والخاص وطالت حتى المادة الأولية، وهي القطن زراعة وإنتاجا وتسويقا.. فما أهم مشكلات هذا القطاع وما الإجراءات المتخذة لتجاوزها وهل هناك خطط لإعادة هذه الصناعات إلى ألقها السابق؟.‏‏

الإنتاج.. والمخازين‏‏

رئيس الاتحاد المهني لعمال الغزل يؤكد أن قطاع الغزل والنسيج تعرض إلى تدمير ممنهج وسرقة مبرمجة، وقد تدنت نسب التنفيذ لخطط الإنتاج إلى أكثر من 38%، بينما بلغت المبيعات حوالي 44% فقط علما أنه يوجد مخزون سلعي بقيمة مليار وثلاثمئة مليون ليرة رغم انخفاض الإنتاج وتعاني شركات الغزل من عدم وصول الاقطان ومن نقص بالأيدي العاملة.‏‏

وهذا يتطابق – تقريبا – مع كلام مدير عام النسيجية السيد سهيل سعيد حيث يؤكد أن قيمة مبيعات النسيجية خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام بلغت حوالي 7,5 مليارات ليرة بمعدل تنفيذ حــــوالي 63% (أي أن نسبة التنفيذ انخفضت بحدود37%) وان المؤسسة أنتجت خلال الأشهر العشرة ذاتها ما قيمته 12 مليار ليرة و405 ملايين بمعدل تنفيذ 45% من الخطة السنوية، فيما بلغت المبيعات الداخلية 13 مليارا و634 مليون ليرة والمبيعات الخارجية حوالي 40 مليون دولار بمعدل تنفيذ 28% فقط.‏‏

تراكمات‏‏

وزارة الصناعة حددت أهم الصعوبات والمتمثلة بتراكم المديونيات المستحقة للخزينة العامة للجهات ذات الطابع الإداري، وبقدم الآلات وصعوبة تأمين قطع التبديل من بلد المنشأ، وبالمنافسة الشديدة للغزول المستوردة بسبب انخفاض أسعارها عن الغزول المحلية، وبعدم حل التشابكات المالية مع المؤسسات العامة الأخرى وهو ما يحرم المؤسسة من السيولة اللازمة ويدفعها للاقتراض وتحمّل الفوائد، وبركود الأسواق وقلة التصريف، وبخروج أكثر من عشر شركات من أصل 26 تابعة للنسيجية من دورة العمل كليا وخروج أخرى بشكل جزئي.‏‏

القيمة المضافة‏‏

وفي ظل الحصار الاقتصادي الجائر.. وفي ظل البحث عن أسواق بديلة لتصدير منتجاتنا يرى مهتمون بالشأن الاقتصادي أن سوقين من أكبر الأسواق في المنطقة مفتوحان أمام بضائعنا وبمعاملة تفضيلية هما السوق العراقية بقيمة استهلاكية تبلغ 13 مليار دولار والسوق الإيرانية بقيمة استهلاكية تصل الى 60 مليار دولار.. وما على المنتج المحلي إلا القدرة على المنافسة في السعر والجودة ليحصل على الحصة الكبرى من هذين السوقين.‏‏

رئيس غرفة صناعة حلب السيد فارس الشهابي قدم في آخر اجتماع لغرفة صناعة حلب العام الماضي مجموعة من المقترحات والتوصيات لحل مشكلاتنا الصناعية.. من أهمها فيما يخص الصناعات النسيجية والحرفية «دعم صناعات القيمة المضافة والعمالة الكثيفة كصناعة الألبسة ومختلف الصناعات الحرفية عبر الحماية الذكية بتشديد الرقابة على المواصفات أسوة بتركيا ومصر».‏‏

والقدرة على المنافسة تكون بتشديد الرقابة على المواصفات.. وهذا أمر بديهي.. ولا يحتاج إلا إلى إصدار قرار والالتزام بتنفيذه، لكن القرار يحتاج الى النية الصادقة بالعمل على جعل بضاعتنا منافسة.. فهل تتوفر هذه النيّة ؟ وإذا كانت متوفرة فلماذا لم يتخذ القرار؟.‏‏

نحتاج للإرادة والفعل‏‏

 

أحد وزراء الاقتصاد قال في العام الماضي: «صناعتنا ظلمت في السنوات الماضية كما ظلمت الزراعة، لكن الصناعة نزفت أكثر ولذلك فهي بحاجة إلى عناية خاصة» ويضيف الوزير نفسه: «إن بيع القطن الخام إلى الخارج جريمة.. وتصنيعه محليا سيعيد عشرات آلاف ورش العمل ومئات آلاف العمال.. وإن تمكين الداخل هدف رئيسي سواء كنا في أزمة أم لم نكن»… ونحن نقول: الجميع يعرف أن هذا الكلام صحيح ودقيق ويؤيده، ولكننا لسنا في موضع صنع القرار لننفذه وبالتالي «لماذا تقولون ما لا تفعلون»؟‏‏

وفي العام الماضي وافقت الحكومة على دراسة أولية لوزارة الصناعة تتعلق بقطاع النسيج وتطويره وتهدف إلى تأمين 121 الف فرصة عمل مباشرة، إضافة إلى توليد فرص عمل خدمات مرافقة ليصبح مجموع فرص العمل بحدود 487 ألفا وتضمنت الدراسة استثمارات تزيد على 12 مليار ليرة، إضافة إلى زيادة الواردات بحدود 90 مليار ليرة تضاف إلى الناتج الإجمالي المحلي، وذلك من خلال تصنيع كامل إنتاجنا من القطن وتحويله إلى منتج ذي قيمة مضافة عالية من الألبسة الجاهزة المتوافقة مع متطلبات السوق المحلية والخارجية، وحينها قال وزير الصناعة السابق إن مدة تنفيذ هذا البرنامج 4 5 سنوات. (سنتابع تنفيذ هذا البرنامج في تحقيق قادم مستقل بعد أن مر أكثر من ربع المدة على تنفيذه الموعود)… وإن كان أقلع فعلا مجرد إقلاع فإننا سنصفق بحرارة للقائمين عليه وإن لم يقلع فليسمحوا لنا أن نقول لهم كفانا تنظيرا.‏‏

شماعة الأزمة‏‏

وتجمع مذكرات العديد من المؤسسات العامة الصناعية على أسباب تراجع الانتاج المتمثلة بالتوقفات التي حصلت في بعض الشركات بسبب الظروف الراهنة التي تحول دون استمرارها في العمل الإنتاجي خاصة في الأماكن التي تشهد توترا امنيا، حيث يتوقف العمل إضافة الى الصعوبة البالغة في تأمين المواد الأولية والانقطاعات في الطاقة الكهربائية لفترات طويلة قد تمتد لأيام وعدم تمكن العاملين من الوصول لاماكن العمل كما تشير هذه المذكرات الى أن الكثير من الأسباب قد تجتمع معا، وأحيانا يكفي تحقق احدها فقط ليحول دون التمكن من الإنتاج.. ولكن لا شيء يبرر الاتكال على الظروف لتبرير الفشل ولا يجوز ان تكون الظروف شماعة لبعض الشركات والمؤسسات.‏‏

استهداف الليرة‏‏

إلى جانب كل ذلك هناك الحرب التي شنت على الليرة السورية.. عملتنا الوطنية والمضاربة عليها في أسواق داخلية وخارجية وأدت إلى انخفاض سعرها بمقدار عدة أضعاف مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، ما أدى إلى ضعف قيمتها الشرائية،وبالتالي صعوبة شراء كل احتياجات الشركات مع وضع اعتمادات مالية ثابتة، ما جعلها تخفض احتياجاتها حسب المبالغ المتوفرة وضمن إمكانياتها وقدرتها على توفير هذه المواد حتى من السوق المحلية التي ارتفعت اسعار مواد واحتياجات الشركات بنفس القيمة التي ارتفع بها سعر الصرف، ولكن مع انخفاض سعر الصرف لم يتبدل سعر أي من المواد إلا بشكل طفيف، ما يعني ان الشركات ظلت تراوح في مكانها وتواجه صعوبات في الحصول على المواد الأولية وخاصة في ظل تحديد سقف الشراء المباشر لأي شركة بنحو نصف مليون ليرة وللمادة الواحدة في العام، وهذا سبب آخر يجعل الشركات تواجه تحديا جديدا.‏‏

مشكلة الأقطان‏‏

ثمة مشكلة تواجهها الشركات العامة النسيجية بشكل عام وشركات تصنيع الغزول بشكل خاص على المدى القصير في ظل التراجع الواضح في تسليم الأقطان للمؤسسة العامة لحلج وتسويق الاقطان مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.. وفي ظل هذا التراجع منذ بداية موسم التسليم قدمت وزارة الزراعة حوافز أهمها التكفل بأجور النقل، لكن ما زال التسليم دون الكميات المتوقعة.‏‏

وإذا كانت وزارة الزراعة تقدر انتاجها المتوقع من الأقطان بنحو 200 الف طن حسب البيانات المتوفرة لديها إلا انه لا بد من السؤال عن مدى دقة هذه البيانات وهل تم بالفعل زراعة المساحات حسب الخطة الموضوعة وخاصة في ظل وجود مناطق مضطربة بشكل جزئي او كلي في بعض المحافظات، ما يعني ان أي تقديرات ليست دقيقة بالشكل الذي يمكن ان يبنى عليه رقما تتخذ على أساسه القرارات.‏‏

التهريب إلى تركيا‏‏

وثمة مشكلة من شقين يتعلق الشق الأول بأن عددا غير قليل من المزارعين لا يستطيعون جني محصولهم وان تمكنوا من ذلك فلا يتمكنون من نقله إلى مراكز التسليم بسبب وجود المجموعات الإرهابية إما في مناطق الزراعة أو على الطرقات، فيما يتعلق الشق الآخر بمشكلة وجود مقاولين وتجارا يشترون القطن من المزارعين بسعر أعلى قد يصل في بعض الأحيان إلى 150 ليرة للكيلو الواحد ومن مطارح الإنتاج بهدف تهريبه إلى تركيا ما دفع بعض هؤلاء المزارعين الى البيع استجابة لإغراء السعر من جانب وتخلصا من الأعباء والمخاطر التي قد يواجهونها خلال عملية نقل المحصول، كما ان مخاطر التراجع في تسليم الكميات لشركات الغزل قد توقفها عن العمل بسبب نقص توريد القطن المحلوج اليها.‏‏

القطاع العام شبكة أمان اجتماعي‏‏

المؤسسة العامة للصناعات النسيجية تؤكد ان الأزمة الحالية كشفت أهمية دور القطاع العام بفروعه المختلفة وخاصة الصناعي كشبكة أمان اجتماعي بسبب خروج القطاع الخاص من العملية الإنتاجية وهروب استثماراته رغم كل التسهيلات التي قدمتها الدولة له قبل وأثناء الأزمة مما جعل شركاتنا العامة المنتج شبه الوحيد في الأسواق المحلية وبالتالي ترتب عليها ضمان استمرار العملية الإنتاجية والحرص على عدم توقفها رغم كل الصعاب والمخاطر التي تواجهها وخاصة بعد خروج شركات حلب وشركة دير الزور عن العمل نهائيا إضافة لتحمل أعباء تأمين كافة المستلزمات والمواد التي تحتاجها الأسواق المحلية التي تنتجها شركاتها وبأسعار مقبولة حرصا على المستهلكين وتخفيفا عنهم.‏‏

وتشير المؤسسة الى ان شركاتها الموجودة في ريف دمشق والمختصة بإنتاج النسيج والألبسة الداخلية والجاهزة استمرت في العمل رغم كل المخاطر والأعباء التي تحيط بها ولم ترفع أسعار بيعها إلا بنسبة محدودة رغم الارتفاع الكبير في كل مستلزمات الإنتاج، إضافة إلى السعي لفتح مراكز للبيع المباشر على مستوى القطر بكامله.‏‏

ما سبق يتطلب برأي المؤسسة المحافظة على الدور التاريخي للشركات التابعة التي توقفت عن الإنتاج نهائيا اعتبارا من منتصف 2012 والموجودة في حلب وعددها خمس شركات، وكذلك معمل إنتاج السجاد وشركة الفرات للغزل الموجودة في دير الزور، بحيث يتم إعادة تأهيلها من جديد بعد حصر الأضرار التي لحقت بها والمحافظة على كادرها البشري الذي اكتسب الخبرة الكافية في مجال صناعة الغزل والنسيج.‏‏

وإذا كانت وزارة الصناعة تبذل ما تستطيع من جهود لاستمرار العمل في الشركات المستمرة في العمل وتقديم ما يمكن من مساعدات مالية أو تخفيف الروتين واستصدار القرارات اللازمة وتشريعات تساعدها على العمل، وتوفير منتجاتها في السوق المحلية وتصدير جزء من إنتاجها ان أمكن ذلك، فان ثمة شركات ستواجه تحديا كبيرا على المدى القصير، يتمثل في تلبية احتياجات هذه الشركات من المواد الأولية.. وهو ما ينبغي وضعه في الاعتبار.‏‏

***‏‏

تدميـــر ممنهــــج‏‏

وفي إطار الحرب الكونية المفروضة علينا.. وفي شقها الاقتصادي ثمة محاولات وإجراءات كثيرة لمحاولة كسر إرادة شعبنا.. ولم تيأس أدوات الحرب في استهداف أي قطاع اقتصادي، ومنها بالطبع الصناعة، على اعتبار ان رأسمالها ثابت في ارضنا من آلات وخطوط إنتاج في المنشآت القائمة منذ سنوات ومن خلال موادها الأولية والخبرات المتوفرة في كل القطاعات.‏‏

وفي هذا الاطار جاءت العقوبات الاقتصادية الجائرة التي حرمت العديد من الشركات او ضيقت عليها في الحصول على المواد الاولية، وخاصة التي تدخل جزءا أو كلا في إنتاج الصناعة الوطنية، إضافة إلى حرمانها من القطع التبديلية التي تحتاجها خطوط والات انتاج هذه الشركات او التضييق على التعاملات المالية وتحويلاتها نتيجة العقوبات على المصارف، وخاصة الحكومية منها او على الشخصيات الحكومية وعلى رجال الأعمال، الى جانب أعمال التخريب للمنشآت الصناعية وسرقة ونهب ما تتضمنه من مواد أولية أو حتى آلات وخطوط الإنتاج وتفكيكها وبيعها للأتراك، وخاصة المنشآت الصناعية في حلب والمنطقة الشمالية لسهولة نقلها عبر الحدود مع التسهيلات المقدمة من الجانب التركي للمجموعات الإرهابية التي تقوم بهذه الاعمال عند دخولها الى المناطق التي تقع فيها المنشآت الصناعية، اضافة الى أعمالها الأخرى المتمثلة بقطع الطرقات وسرقة المنتجات التي تمر عبرها او سرقة المواد الأولية ما حرم الكثير من المنشآت الصناعية الموجودة في مناطق آمنة القدرة على الاستمرار في العمل والإنتاج وبالتالي توقفها.‏‏

 

عن صحيفة الثورة – هلال عون – ملحم الحكيم

آخر الأخبار
جودة طبيعية من دون غش.. منتجات الريف تصل المدن لدعم الصناعة السورية.. صفر رسوم للمواد الأولية أرخبيل طرطوس.. وجهات سياحية تنتظر الاهتمام والاستثمار مركزان جديدان لخدمة المواطن في نوى وبصرى درعا.. تنظيم 14 ضبطاً تموينياً اللاذقية: تشكيل غرفة عمليات مشتركة للسيطرة على حريق ربيعة الشعار يبحث تحديات غرفة تجارة وصناعة إدلب شراكة لا إدارة تقليدية.. "الإسكان العسكرية" تتغير! حمص.. 166 عملية في مستشفى العيون الجراحي أسواق حلب.. معاناة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة مهارات التواصل.. بين التعلم والأخلاق "تربية حلب": 42 ألف طالب وطالبة في انطلاق تصفيات "تحدي القراءة العربية" درعا.. رؤى فنية لتحسين البنية التحتية للكهرباء طرطوس.. الاطلاع على واقع مياه الشرب بمدينة بانياس وريفها "الصحة": دعم الولادات الطبيعية والحد من العمليات القيصرية المستشار الألماني الجديد يحذر ترامب من التدخل في سياسة بلاده الشرع: لقاءات باريس إيجابية وتميزت برغبة صادقة في تعزيز التعاون فريق "ملهم".. يزرعون الخير ليثمر محبة وفرحاً.. أبو شعر لـ"الثورة": نعمل بصمت والهدف تضميد الجراح وإح... "الصليب الأحمر": ملتزمون بمواصلة الدعم الإنساني ‏في ‏سوريا ‏ "جامعتنا أجمل" .. حملة نظافة في تجمع كليات درعا