ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
تأخرت منظمة العفو الدولية كثيراً وأخطأت أكثر في مقارباتها حالها حال الغرب في اكتشاف خطر «الجهاديين» والفكر الوهابي، فبعد مواربة ونظرة أحادية وصيام طويل وامتناع لوقت أطول عن الحديث عمّا ارتكبته المجموعات الإرهابية،
تفطر بعد الأوان بكثير، وتستيقظ بعد أن أوغل الإرهاب في فظائعه، وإذا كان ما أدرجته في موقفها الأخير هو كل ما لديها عن ارتكابات الإرهابيين، فإنها لو بقيت على صيامها لكان أجدى.
الجرائم منذ سنوات تتراكم والمذابح تتواصل، وفظائع الإرهابيين تتفاخر بها دول وقوى إقليمية ودولية، وما فاتها أو نسيته، يتكفل الإرهابيون أنفسهم في إظهاره والحديث المسهب عن تفاصيله، وهو أمر لم يكن من الصعب توثيقه، ولا الاستدلال عليه، وقد استشرى وتفشى على جميع المستويات.
ليس من الصعب فهم الدوافع ولا معرفة الأسباب، سواء تلك التي تقف خلف صمتها الطويل وتغاضيها عن كثير من الجرائم والارتكابات التي مارستها التنظيمات الإرهابية، أم تلك المتعلقة بتوقيت عودتها الخجولة إلى المسرح السياسي، فقد اختارت عينات لا تعكس الحدّ الأدنى من الفظائع وإلى جوارها جرائم قتل وتنكيل وذبح وقطع رؤوس ارتكبتها تلك التنظيمات أكثر قسوة وأشد خطورة في كل المقاييس والمعايير.
المفارقة المُرّة أن هذه المنظمات كانت ولا تزال شاهداً يتم إحضاره حين الحاجة السياسية إليه، وليس وفق مقتضيات الأمانة القانونية والأخلاقية أو حسب الدور والمهام الموكلة هذه المنظمات، وفي أحيان كثيرة تكون أداة تحكمها الأهواء السياسية والمصالح، وتفرض الهيمنة الدولية أجنداتها على مسارها وعلى استنتاجاتها، أكثر مما تتحكم بها مبادئها ومقتضيات وجودها القانوني والأخلاقي، وبالتالي من الصعب قراءة صحوتها المتأخرة أو استمرارها في صمتها من منطلق الحيادية أو المهنية، بقدر ما تعكس رسائل مضمرة برغبات دولية تقاطعت على تحريكها واتفقت على التوقيت!!
لا نريد أن نحمّل المنظمة ما هو خارج سياق وجودها في إطار النظام العالمي، ولا أن نضيف إلى أجنداتها الحافلة بالمفارقات المزيد، لكنها قد تصلح للقياس على التجاذبات والصراعات المحتدمة بين أجنحة النظام العالمي القائم بأجنداته القديمة منها والجديدة، وبمشاهد التقاطعات في الرؤية الدولية التي تستحضر مخاوف إجراءات استباقية أكثر مما هي معنية بحقائق ما جرى والجرائم التي ارتكبتها تلك التنظيمات المدعومة من دول إقليمية وأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومثّلت بالنسبة لها ورقة للضغط السياسي وستاراً لدعم الإرهاب بطرق ملتوية ومباشرة دون حرج.
على هذه القاعدة يأخذ حديث منظمة العفو الدولية عمّا ارتكبته التنظيمات الإرهابية الجزء الذي يتوافق مع أجندات تلك الدول ولا يعير انتباهاً لآلاف المشاهد التي تمارس فيها تلك التنظيمات جرائمها بأدوات قدمتها لها تلك الدول، وقنوات سهلت لها العبور، وتغاضت من خلالها عن كل ما أقدمت عليه، فيما كانت المنظمة الشاهد الغائب عن الحضور على حلبة السياسة.
وإذا كان السؤال الفعلي هو لماذا الآن قررت المنظمة ذلك؟ ومن اختار التوقيت؟ فإن الإجابة عنه تقتضي سرداً تاريخياً يلمّ بأوراقها، واستعراضاً لكل التفاصيل الحافلة بها أجندات وتقاطعات ومصالح وأدوار.. وصولاً إلى الأرضية التي تحكم عمل المنظمة ودورها مقارنة بما استجد على الساحة الدولية، مدفوعاً بهواجس ومخاوف الدول الغربية من ارتدادات محكومة بنقل التجربة إلى ساحات الغرب.
واللافت أن ما استفاقت عليه المنظمة -ولو متأخرة- لا يشكل عاملاً كافياً لتفسير التداعيات، لكنه في الوقت ذاته يفتح الأبواب الموصدة منذ ثلاثة أعوام إلا قليلاً، ويحرك المياه الراكدة في عمل تلك المنظمات وأدوارها، وقد يكون المؤشر الحقيقي على أن النظام العالمي بصيغته التحضيرية قد دفع بكثير من الأدوار إلى التحرك الاستباقي وقراءة الواقع، لتكون قادرة على تحديد موقعها داخل الخارطة التي يحدد إحداثياتها المناخ الدولي الجديد.
وإذا كانت تلك الصحوة سواء لـ «العفو الدولية» أم للغرب هي المقدمة الفعلية لذلك الحراك، فإنها تحتاج كي تتجه رسائلها إلى العنوان الصحيح إلى تسجيل الكثير من النقاط التي أغفلت التطرق إليها، عمداً كان أم سهواً لا فارق، وفي المقدمة الحديث بوضوح أكثر عن الدور الذي لعبته الدول الداعمة لتلك التنظيمات، وتسمية الأشياء بمسمياتها، ووضع النقاط على الحروف فيما يخصّ الصمت الذي مارسته تلك الدول فرادى ومجتمعة عن ممارسات الإرهابيين وتنظيماتهم، والغطاء السياسي الذي وفّرته لكل ارتكاباتها على مدى السنوات الماضية.
a.ka667@yahoo.com