ثورة أون لاين – رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يعود جنيف إلى فرد ملفاته، ومع فردها يميط اللثام عن تفاصيل وخبايا الأوراق بما فيها المضمرة، بعد أن بدت مفرقة في تبويبها وفق الأولويات، وإثر نقاش طويل قبل وضعها رزمة واحدة على طاولة التشاور،
في جولة يفترض أن تكون الأخيرة قبل التئام المؤتمر، ويبدو أنه تحت ضغط الوقت من جهة، وفشل الأميركي في تحضير مرتزقته من جهة ثانية، عاد النقاش إلى المربع الأول وقد تبعثرت الخيوط التي توهّم الكثيرون أنها ممسوكة.
فإذا كانت قائمة الدول المشاركة لم تحسم حتى اللحظة بسبب الرفض الأميركي لمشاركة إيران، فإن الانطباع الوحيد الذي خرج به كل المتابعين هو أن الجولة التشاورية لم تكتفِ بالمراوحة في المكان، بل تراجعت خطوات إلى الخلف، ودليلهم أن نقاط الاختلاف بين الترويكا الروسية الأميركية الأممية قد ازدادت ولم تنقص، وفي مقدمتها موعد المؤتمر، حين عادت واشنطن للمطالبة بتأجيله أو التريث لبعض الوقت ريثما تستكمل جهودها في جمع من يمثلها على الطاولة.
الحديث عن الإصرار الأممي على موعد المؤتمر لا يغير في واقع الحال، بدليل أن كل المحاججات التي قدمها المبعوث الأممي في دفاعه عما حققته الجلسة التشاورية لم تقنع أحداً، وبدل أن يساهم في تذليل العقبات والاستدلال على العراقيل، ذهب كعادته خارج ما هو مطلوب منه، وتبنى تقارير كاذبة وسوّق فبركات لا طائل منها، ليؤكد أن من شب على شيء لا بد أن يشيب عليه.
وفي الحالين نحن أمام تراجع فعلي، والأوراق المفرودة على طاولة التشاور شاهد إثبات بعد أن توزعت في جنبات المشهد من يمينه إلى أقصى يساره، وافتتحت جبهات تسخن وتبرد وفق الحاجة وحسب الطلب، ووصلت إلى حد الاستجداء الأميركي المؤرخ على قوائم ما سمي «الجبهة الإسلامية» التي يريد الاميركي أن يحضرها كممثل مقيم ومفوّض باسم تنظيم القاعدة.
فرغم حالات المبالغة في كثير من التوصيفات والبناء عليها في المواقف والأجندات، فإن الخيال لم يتسع يوماً لكي يتصور أن الأميركي الذي مارس استلابه العالمي على فرضية الحرب ضد الإرهاب وعلى القاعدة، ومارس سطوة المنع والعطاء على معادلة العلاقة والموقف من محاربتها، هو الذي سيعود يوماً ليكون العراب الجديد للقاعدة بتفرعاتها ومشتقاتها، وإن كان هذا كله يقود في نهاية المطاف إلى فهم الكثير من تفاصيل مسارعة الاميركي على وضع جبهة النصرة على لائحة التنظيمات الإرهابية، في وقت لم تكن مطروحة للنقاش، وحتى الكثير من مرتزقتها تفاجأ في ذلك الحين بالخطوة الأميركية!!
جنيف حين فرد ملفاته كشف الكثير من التفاصيل والخفايا الأميركية، التي أرادت من خلالها إدارة أوباما أن تسوّد صفحة «النصرة» مقابل شرعنة بقية المشتقات الناتجة عن القاعدة، وآخرها «الجبهة الإسلامية».. وصولاً إلى زرع تنظيم القاعدة على طاولة مفاوضات دولية والتي دفعت بالروسي إلى الرد الحازم بأن لا أحد يريد الحوار مع الإرهابيين والمتطرفين بعد أن أفضت جلسة التشاور إلى كشف خبايا الزوايا الأميركية المظلمة، ووجد في نهاية المطاف أن الأميركي يريد أن يُجلِسَ أولئك المتطرفين والإرهابيين على طاولة التفاوض.
لا نعتقد أن الرسالة الروسية كانت بعيدة عن سمع الأميركي أو إدراكه، ولا هي خارج حسابات المبعوث الدولي الذي أراد أن يرمي أوراقه خارج السلة، وربما بعيداً عن الطاولة المعدة تحت عناوين وأجندات، اجتر فيها حتى الثمالة، وخرج عبرها مراراً وتكراراً عن صلب مهمته ودوره.
لسنا بوارد التشاؤم، لكن إن كان لنا أن نقرأ المكتوب في الجلسة التشاورية من العناوين الأميركية.. الصريحة منها والمضمرة، لابد أن نأخذ بتفاصيل الاستجداء الأميركي لـ «الجبهة الإسلامية» كمؤشرات إلى الحال الذي يُراد لجنيف، والقاع الذي يستدرج إليه، فمداورة المبعوث الأممي الذي أراد ان يخلط الحابل بالنابل عند الحديث عن تمسكه بالموعد المحدد كأمر واقع يوصل إلى ما يريده الأميركي الذي عجز عن قوله صراحة، أو شعر بالحرج من التصريح عنه عندما أحضر القاعدة إلى طاولة جنيف ليفرد لها أوراقه بعد أن أحضر بطاقة اعتمادها.
a.ka667@yahoo.com