منذ بداية الأحداث في سورية كان القرار الوطني السوري واضحاً وهو أن لا رضوخ للإرادة الخارجية تحت كل الظروف التي فرضتها الحرب بالرغم من حجم الدخول والحضور الدولي والإقليمي فيها وفائض القوى الإرهابية المستثمرة في بعدها العسكري ولم يحتج مركز القرار الوطني السوري لأي إذن أو ضوء أخضر من أحد ليمارس حقه وواجبه في اتخاذ كل ما من شأنه حفظ سلامة وأمن الدولة السورية وممارسة السيادة الكاملة على جغرافيتها المعروفة، وإذا كانت ظروف العدوان على سورية فرضت أولويات معينة على صاحب القرار العسكري توجبها حسابات عسكرية صرفة فهذا لا يعني بالمطلق ترك باقي المناطق تحت سيطرة أو سطوة القوى الخارجية أو من يتعاون أو يتعامل معها من قوى الداخل، سواء كانت تنظيمات متطرفة أم تنظيمات عسكرية وميلشوية لها أجنداتها الانفصالية والتقسيمية التي تسعى للنيل من وحدة الأرض والشعب السوري.
لقد بات واضحاً أن القوى التي اعتقدت أن بإمكانها تكريس واقع تقسيمي في سورية قد فشلت في تحقيق ذلك الهدف عبر الاستعانة بالعصابات الإرهابية المصنفة دولياً، من هنا نراها تسعى لتحقيق ذلك من خلال دعم ومساندة قوى أخرى تصنف نفسها على أنها معارضة معتدلة كي تأمن عدم استهدافها من قواتنا المسلحة أو استثماراً فيما جرى تسميته سابقاً مناطق خفض التصعيد اعتقاداً منها إن تلك التسمية توفر لها شرعية على نحو ما بحيث تتكرس واقعاً على الأرض يصعب تجاوزه بحكم اعتماده على توافقات أستانة بين الدول الضامنة، علماً أن الحكومة السورية كانت واضحة أشد الوضوح في تأكيدها على أن أفق ما سمي مناطق خفض التصعيد سابقاً محدود زمنياً وسقفه المصالحات الوطنية ولعل ما قامت وتقوم به قواتنا المسلحة في المناطق الجنوبية وشمال وغرب حلب واستعادتها لمساحات واسعة فيها هو الدليل العملي على ذلك.
لقد اعتقد اللاعبون الثانويون في الأزمة أن القيادة السورية سوف تتردد في اتخاذ القرارات المتعلقة بتواجد بعض القوى الخارجية إلى جانب المجموعات المسلحة في بعض المناطق سواء كانت إدلب ومحيطها أو الشمالية الشرقية وهذا اعتقاد خاطئ وساذج فقرار الحسم على كامل الجغرافيا السورية قرار متخذ على المستوى السياسي، وهذا ما أكده السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم ويترك تنفيذه للظروف السياسية ومدى نجاحها في إقناع القوى المسيطرة على تلك المناطق في الخروج منها وإلا فالخيار العسكري سيكون كفيلاً بذلك ولاسيما أن القوات المسلحة التي تدرك وتعي واجباتها الوطنية وهي التي قامت بها خير قيام وضحت بخيرة منتسبيها من جنود وصف ضباط وقادة كبار دفاعاً عن أرض الوطن إضافة للمقاومة الشعبية التي سيكون لها الدور الكبير والرديف في ذلك.
إن محاولة فرض أو وضع خطوط حمر في بعض المناطق أو اعتقاد وتصور ذلك هو وهم ورحلة في الخيال فها هي قواتنا المسلحة تستكمل استعداداتها لاستعادة ما تبقى من أراض ومناطق تحت سيطرة القوى غير الشرعية سواء كانت قوى أجنبيه أو من تحالف وتآمر معها من قوى الداخل سيما وان الحكومة السورية قد أعلنت غير مرة أن ثمة فرصة للمساعي السياسية لاستعادة تلك المناطق وإلا فسيكون الخيار عسكرياً مهما كانت الكلفة المترتبة على ذلك فلا مجال للمماطلة والمساومة ومحاولات شراء الوقت أو التهديد بالاستعانة أو الاحتماء بالأميركي أو الإسرائيلي لا بل إن ذلك سيكون عاملاً إضافياً يدفع باتجاه الحسم العسكري ويعري أكثر تلك التنظيمات ويجعلها أكثر عزلة عن بيئتها الاجتماعية التي لا ترى بديلاً عن السلطة الوطنية والشرعية.
إن أخذ العبرة مما جرى في الغوطة وشمال حمص منذ سنتين مسألة غاية في الأهمية وفيها توفير لفاتورتي الدم والدمار ما يجعل مدعي الحرص على دماء السوريين وممتلكاتهم في دائرة الاختبار مرة أخرى إضافة إلى أن المراهنين على العامل الخارجي والعازفين على أوتاره يدركون حجم خيباتهم وسقوط رهاناتهم فالواضح للجميع أن أميركا والعدو الصهيوني يسعيان لإطالة أمد الأزمة إلى أقصى حد بحيث يبقى الجرح السوري نازفاً ومسلسل القتل والدمار مستمراً وأن لا يطوى ملف الأزمة ما يجعل العدو الصهيوني يمعن في عدوانه وتوسعه وغطرسته وسعيه الحثيث لتصفية القضية الفلسطينية وخلق ظروف مواتية لتمرير صفقة القرن.
إضاءات- د. خلف المفتاح