لئن كنا قد اعتدنا على وصف الحدث السوري بأنه معقد جداً أو شديد التعقيد بتداخلاته المتعددة ، فإنه اليوم يزداد تعقيداً وتداخلاً بصورة تعكس التهافت الغربي والصهيوني والاستعماري على متابعة مخططات العدوان بكثير من الحقد والكراهية ، بعد سنوات من الفشل زادت عن العشر دون تحقيق الهدف البعيد في إسقاط النموذج السوري الذي كان عصياً على الهزيمة ، وما زال يمتلك ذات القوة الكامنة التي ازدادت قوة ومتانة بعد تطاول قوى البغي والعدوان في استهداف كلّ مرفق حيوي على امتداد سورية كلّها.
وإن كانت قد تعددت وتنوعت أساليب العدوان ، فإن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الجزيرة السورية أمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب، لكنه لا يلبث أن يتضح بعد قليل من التبصر والتدقيق ، ففي خطوة قد تبدو معاكسة لسلوكها الداعم لمجموعات قسد عسكرياً ومعلوماتياً ، بدأ ضباط أميركيون التواصل مع عدد من وجهاء العشائر والقبائل العربية في قرى الحسكة والقامشلي بهدف تشكيل مجموعات مسلحة مرتبطة بالأميركيين قوامها أبناء الجزيرة من العرب ، ما يظهر وكأنه محاولة لتشكيل قوة بمواجهة مجموعات قسد الإرهابية، أو بداية تخل عن دعمها بعد سنوات من الدعم والتنسيق المستمرين بتصاعد وازدياد دون توقف، فما حقيقة هذه الخطوة التي جوبهت برفض ومواجهة من جانب المواطنين السوريين في الجزيرة؟.
تأتي هذه الخطوة بعد تعرض القواعد الأميركية الكبيرة لأكثر من عملية قصف صاروخي على يد المقاومة الناشئة والمتحمسة للمزيد والتي أوحت بالدخول في مرحلة جديدة تخالف الواقع الذي ساد لسنوات عديدة ، وهو اليوم ينتقل إلى حالة مواجهة تحظى بدعم شعبي ورسمي واضحين ، ولم تنجح مجموعات قسد في كشفها أو منع حدوثها أو الحيلولة دون وقوعها ، فضلاً عن أن الأمر ينبىء بالمزيد منها في الأيام القادمة.
ومن جانب آخر ثمة تسريبات تتحدث عن عزم أميركي لانسحاب من الأراضي السورية كلّها قبل نهاية العام الحالي ، ما يترك قسد تواجه مصيرها المحتوم ، فرأى مخططو القوات الأميركية إنشاء قوة تابعة لهم قد تكون أداة بيد داعش أو غيرها من التنظيمات الإرهابية المحتملة التشكيل مستقبلاً ، في صورة تشابه تلك التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في الجزيرة السورية قبل ظهور قسد وانتقالها لدور يماثل دور داعش ويزيد عليه ، وهو الأمر الذي تنبه له السوريون في قرى الجزيرة ورفضوه بالرغم من الإغراءات والرواتب العالية التي وعد بها المحتل الأميركي.
هي خطوة فشلت مرحلياً ، لكن الضباط الأميركيون لن يقفوا عند هذا الرفض ، بل سيعيدون المحاولة مراراً وتكراراً لتحقيق مساعيهم ، وعندها سيتغير المشهد في الجزيرة من غياب مجموعات تطرح الانفصال أو الإدارة الذاتية تحت مسميات الحقوق الثقافية والاجتماعية لمجموعة عرقية، إلى وجود مجموعات ترفع مطالب سياسية كاذبة تضع المنطقة أمام مواجهات من نوع جديد، أحدها تشكيلات انفصالية مماثلة لما قامت به داعش في الموصل والرقة ، وغيرها المطالبة بكيان سياسي انفصالي من جانب مجموعات تدعي عروبتها وانتماءها الوطني ، لكن إدارتها تصل إلى واشنطن ، وربما محاولة الخروج بشكل جديد آخر ، لكنها تبقى في النهاية تسعى لإبقاء موارد البلاد خارج إطارها القانوني والشرعي ، مع استمرار حالة المواجهة العسكرية مستمرة لاستنفاد قوة الدولة ذاتياً وفق ما يرون ويخططون، ولن ينجحوا أبداً…
معاً على الطريق- مصطفى المقداد