بدأت صباح اليوم ( الأحد ) الآلية الجديدة لتوزيع الخبز في محافظات حماة واللاذقية وطرطوس، وقد تخوّف الكثيرون من هذه الآلية،في إشارةالمخصصات المعتمدة لأنها قليلة ولا تفي بالحاجة أبداً،كما أنها تحمل في طياتها إحراجاً كبيراً في حال اضطر صاحب البطاقة أن يستضيف أحداً، وهذا أمر وارد جداً في مجتمعنا، بل هو من أساسيات العلاقات الاجتماعية السائدة، وربما يكون أصحاب بطاقة الشخصين هم من أكثر المقاصد المضيفة لأن هذه البطاقة تكون غالباً لشخصين متقدمين في السن، وقد كبر أولادهما واستقر كلّ واحد منهم في بيته مع أسرته الجديدة، غير أن ( بيت الأهل ) المؤلف من الشخصين المتقدمين في السن سيبقى محجاً لتلك الأسر الجديدة، ومن غير المعقول أن يصير الطعام محرماً في بيت أهلهم لعدم توفر الخبز جراء هذه المخصصات الجديدة التي تم إقرارها من دون النظر إلى أبعادها الاجتماعية وآثارها المحتملة، فضلاً عن اختلاق حالة من نقص الخبز في البيت دون وجود أي ضيف .. !
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يبدو أنها لا تنوي فعلياً إحداث مثل هذا الخلل، ولا أي خللٍ آخر يؤثر على تأمين احتياجات الناس من الخبز، وقد حصرت نيتها وغاياتها من وراء هذه الآلية الجديدة في البيع والتوزيع بالحرص على وصول الاحتياجات الأساسية من مادة الخبز لمستحقيها والتخفيف ما أمكن من الهدر.
لا أحد يستطيع إنكار أهمية ضبط هدر الخبز، وفي هذه الظروف بشكلٍ خاص، لأن هذا الهدر لا نبالغ إن قلنا بأنه ينعكس علينا جميعاً ( دولة ومواطنين ) بشكلٍ سلبي جداً، فهو يؤثر على الخزينة العامة للدولة، ويؤثر على القدرة الشرائية لليرة فعلياً، لأن قمح خبزنا لم يعد إنتاجاً محلياً في هذه الظروف، إنه مستورد، وهذا يعني أن ثمنه يدفع بالقطع الأجنبي، وبالتالي فإن هدر الخبز يعني أننا نبدّد قطعاً أجنبياً نحن بأمسّ الحاجة إليه، والخزينة أولى به للتمكن من تأمين احتياجاتنا.
وما دام الخبز يعني بالنهاية قطعاً أجنبياً فإن هدر أي كسرة خبز هو تبديد لذاك القطع، وبالتالي زيادة الطلب عليه، التي تؤدي حكماً إلى رفع سعره، ورفع سعر القطع الأجنبي سيقابله حكماً انخفاضاً بالقدرة الشرائية للعملة الوطنية.
مهما بدا هذا الكلام ثقيل الوقع وغليظاً على مسامع البعض، وخفيفاً على مسامع البعض الآخر فإن هذا لا يهم ولا يؤثر شيئاً على الواقع لأنه هو الحقيقة المرّة التي نعيشها اليوم والتي علينا جميعاً أن نعيها جيداً.
على كل حال .. ومع هذا كله فإن وزارة التجارة الداخلية لم تغلق الأبواب على قرارها، وقد أثبتت أنها حريصة على تأمين احتياجات الناس من الخبز وبشكل مريح بدليل ما أطلقه الوزير يوم أمس من حماة مؤكداً أنه تقرر اعتماد توزيع ربطة خبز للفرد الواحد كل يومين ( ما يعني ربطة واحدة يومياً لبطاقة الشخصين ) ومراعاة عدد أفراد الأسرة في عدد الربطات التي تحصل عليها يومياً فهناك شرائح ستحصل على ٥ ربطات و ٦ ربطات و 7 ربطات يومياً، وسيكون الخبز موزعاً على عدد أفراد الأسرة دون النظر إلى أعمارهم حتى أن الرضيع يأخذ حصة من الخبز كحصة اي فرد مهما كان عمره.
دعونا نخض التجربة أولاً قبل المبالغة بالمواقف والتخوف والقلق من أمور ليست في مكانها.
على الملأ- علي محمود جديد