الثورة أون لاين – مها الداهوك:
ما يجري في أفغانستان اليوم من تدهور أمني خطير، يؤكد مجدداً أن الوجود الاحتلالي الأميركي لم يكن هدفه القضاء على الإرهاب كما ادعى مخططو الحرب الأميركيين، وإنما دعم هذا الإرهاب، بدليل أن الولايات المتحدة تنسحب من هذا البلد بعد عشرين عاماً من دون أن تمنح القوات الأفغانية القدرة على مواجهة مسلحي حركة “طالبان”، فعمليات الانسحاب التي جاءت بعد تفاوض مع “طالبان” خلفت وراءها بلاداً غارقة في مستنقع من التخبط السياسي والفوضى الأمنية، وولايات لم تحصد من التواجد الأمريكي على أراضيها سوى المزيد من العنف والفوضى.
فالقوات الأفغانية تخوض اليوم معارك عنيفة لمنع سقوط أول مدينة رئيسية في أيدي “طالبان” بعد هجمات شنها متمرّدون من عناصر الحركة على عواصم ثلاث ولايات هي “لشكر قاه وقندهار وهرات”، بعد نهاية أسبوع شهد مواجهات عنيفة نزح على أثرها آلاف المدنيين في ظل تقدّم المسلحين، فيما تحدثّت العديد من التقارير الإعلامية عن عدد كبير من المصابين بجروح خطيرة وأن عدد الضحايا يرتفع في “لشكر قاه” على وجه التحديد.
كما تعرّض مطار قندهار لهجوم خلال ليل الأحد الماضي إذ أطلق عناصر “طالبان” صواريخ تسببت بأضرار على المدرج، ما أدى بدوره إلى تعليق الرحلات الجوية على مدى ساعات، في حين يمثل المطار نقطة أساسية للمحافظة على الإمدادات اللوجستية والدعم الجوي من أجل منع “طالبان” من السيطرة على المدينة، كما يوفر الغطاء الجوي اللازم لمناطق واسعة من جنوب أفغانستان.
وتتزامن هذه المعارك مع سوء الأوضاع المعيشية في ظل استمرار انقطاع الكهرباء وتفاقم الأزمات الصحية في المستشفيات حيث شبكات الاتصالات معطّلة مع تزايد في نقص الأدوية والصيدليات مغلقة بحسب سكان تلك الولايات.
منسقة عمليات منظمة الإغاثة لهلمند ساره ليهي قالت في بيان بهذا الصدد: “وقع إطلاق نار بلا هوادة وضربات جوية وبالقذائف في المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة، تتعرض المنازل للقصف فيما يعاني العديد من الأشخاص من جروح خطيرة”، وتابعت “الوضع خطير للغاية والحياة توقفت”.
ولاية هلمند التي كانت على مدى سنوات مركزاً للحملة العسكرية الأميركية والبريطانية في أفغانستان، تنزلق أكثر في أتون الفوضى، حيث غناها بحقول الخشخاش الشاسعة والأفيون المستخدم في تجارة الهيروين، يجعلها مطمعاً للمتمردين كونها توفر لهم مصدراً مربحاً للضرائب والسيولة.
هذا وقد حمّل الرئيس الأفغاني أشرف غني واشنطن المسؤولية الأولى عن تدهور الوضع الأمني في بلاده، وقال متوجهاً إلى البرلمان إن “سبب الوضع الذي نحن فيه حالياً هو أن القرار اتُّخذ بشكل مفاجئ”، مضيفاً أنه حذّر الأميركيين من أن الانسحاب ستكون له عواقب.
كما أشار إلى أن السلطات الأفغانية وضعت خطة لمدة ستة أشهر لهزيمة “طالبان”، لكنه أقر بأن المتمرّدين لم يعودوا “حركة مشرذمة تفتقد للخبرة”، بل أكد أنهم “يواجهون قيادة منظّمة مدعومة من ائتلاف آثم للإرهاب الدولي والدوائر الداعمة له” في إشارة إلى دعم مقدم من أطراف خارجية لتلك القوى المتمردة.
و تزامنت تصريحات غني مع إعلان الولايات المتحدة بأنها ستستقبل آلاف اللاجئين الأفغان الإضافيين في ظل تصاعد العنف في أفغانستان، حيث جاء في بيان لوزارة الخارجية الأميركية: “في ضوء ارتفاع مستويات العنف الذي تمارسه “طالبان”، تعمل الحكومة الأميركية على توفير فرصة لأفغانيين معيّنين، بمن فيهم أولئك الذين عملوا مع الولايات المتحدة، لإعادة توطينهم كلاجئين في الولايات المتحدة”.
وبدأت واشنطن بالفعل إجلاء آلاف المترجمين وأفراد عائلاتهم ممن عملوا مع الجيش والسفارة على مدى العقدين الماضيين في محاولة للتلطي خلف ملف اللاجئين الأفغان للتغطية على سوء الأوضاع الداخلية التي خلفتها الحرب الأمريكية في بلادهم.
يشار إلى أن احتمالية سيطرة طالبان على أي مدن كبرى ستفتح فصلاً جديداً في المواجهة، ويثير مخاوف حيال إمكانيات الجيش الأفغاني، حيث قال الخبير في الشأن الأفغاني المقيم في أستراليا نيشانك موتواني وفقاً لما نقلته وكالة فرانس برس “إذا سقطت المدن الأفغانية سيُنظر إلى قرار الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان على أنه من بين الأخطاء الاستراتيجية الأبرز في السياسة الخارجية الأميركية”.
إن تفاقم الوضع الداخلي الأفغاني بعد الانسحاب الأمريكي يؤكد عجز الولايات المتحدة عن تحقيق أي نتائج في حربها المزعومة على الإرهاب هناك، بل إن وجودها العسكري الاحتلالي كان الداعم الأساسي لبقاء مسلحي حركة طالبان الإرهابية فيها و تقوية شوكتهم.
