كل شي يتحول إلى عُرف إذا أخذ طابع العمومية وتم تكريسه لسنوات طويلة بغض النظر عن الحالة كانت سلبية أم إيجابية، ومن هذه الأشياء موضوع الخدمات المقدمة للمواطن مثل المياه، الصرف الصحي، الشوارع المُحفرة والمليئة بالريكارات النافرة أو المنكسرة، وهذا يعود لأمر واحد يتعلق بطريقة تلزيم الخدمات وطريقة استلام المشاريع التي أصبحت واحدة في كل الجغرافيا السورية، ليس لارتباطها بقانون واحد، بل لسلوكها طريقاً واحداً، فالشارع الذي يتم تزفيته هذا العام يدخل في خطة ترميم العام القادم لوضعه السيئ وليس لغايات أخرى، وكذلك مشاريع مياه الشرب، ومثلها الصرف الصحي الذي يتفجر كالينابيع في الشوارع والأراضي الزراعية.
طالما أن المشكلة عامة فالأمر يُمكن تحديد أسبابه بدقة، فأغلب الدراسات غير شاملة لكل التفاصيل، وغالباً مرتبطة بالاعتمادات المتوافرة، وثانياً أغلب المشاريع يتم الإعلان عنها وتلزيمها بنفس الطريقة، وفي كثير من الأحيان عن طريق الإدارات المركزية وليس الوحدات الإدارية مباشرة، وثالثاً أغلب المشاريع التي يتم التعاقد على تنفيذها يكون مع شركات إنشائية عامة وهنا بيت القصيد، فأغلب المشاريع التي تفوز الشركات العامة بتنفيذها بالتثقيل لا تملك إمكانية التنفيذ وإنما تُعطي التنفيذ لمتعهدين ثانويين مقابل نسبة معينة للشركات الإنشائية، وتترك نسبة ربح المتعهدين الثانويين وفقاً لقدرتهم في إرضاء لجان الشراء، ولو فرضنا أن النسبة التي تتقاضاها الشركات العامة من المتعهدين الثانويين عشرة بالمئة، فإن المتعهد الثانوي لا يقبل بأقل من خمسة وعشرين بالمئة، لأن لمراقبي التنفيذ وصارفي كشوف التنفيذ ولجان الاستلام حصصاً نسبتها ليست قليلة.
ما سبق يعني أن أغلب المشاريع تُنفذ بأقل من سبعين بالمئة من المبالغ المرصودة لها والتي هي بالأساس خاضعة للضغط والتقنين والاختصار والاختزال.
الدولة تخصص الموارد المتاحة لتنفيذ المشاريع الخدمية ولم تقصر برصد الاعتمادات، ولكن كل المشاريع المنفذة تفتقر لأدنى المواصفات، فالمياه غير كافية وتحتاج لمضخات لرفعها إلى الأبنية، مع العلم أن هناك خزانات أعلى من الأبنية، والشوارع محفّرة رغم أن بعضها لم يمضِ عام على تزفيته، وأغرب من ذلك أن الأرصفة تزرع كل عام بالأشجار، ولكن لا أشجار في الشوارع ولا توجد مواصفة موحدة لزراعتها، مرة من جهة الشارع ببعد بسيط فتذهب ضحية الآليات التي تتوقف إلى جانبها أو بأي إصلاح لأطاريف الأرصفة، ومرة تزرع بالمنتصف فتذهب ضحية الاعتداء وقس على ذلك.
السؤال من يتابع تطبيق مواصفات التنفيذ لكل المشاريع؟ إلى متى تبقى هذه المشاريع التي ترهق الموازنات مرتعاً للفساد وهدر المال العام؟.
على الملأ – معد عيسى