الثورة أون لاين – ريم صالح:
ماذا يجري في أفغانستان حقاً؟، ولمصلحة من كل هذا الخراب والإرهاب والفوضى الممنهجة التي تكتسح هذا البلد؟، ولماذا انسحب الأمريكي هكذا وفجأة، وترك البلاد على فوهة بركان، قد يثور في أي لحظة ليخلف كارثة إنسانية وبشرية لا تحمد عقباها؟ وما هو مصير الـ18.000 أفغاني الذين تعاونوا مع قوات الاحتلال الأمريكية، وكانوا عملاء من الطراز الأول، بل ما مصير عائلاتهم التي يتراوح عددها ما بين 58.000 – 75.000 فرد ممن ستكون حياتهم في خطر بظل حكم “طالبان”؟.
هل هو الفشل الأمريكي والغرق في المستنقع الأفغاني ما دفع الكاوبوي الأمريكي لهذا القرار؟، أم هي خسائره بتريليونات الدولارات ما فرضت عليه لزاماً هذا الانسحاب؟، أم أن انسحابه كان جزءاً من مخطط الفوضى المعدة والمدروسة سلفاً، ولغاية في نفس الأمريكي شخصياً، حيث التهديد المباشر لجيران أفغانستان أولاً، ونعني طبعاً إيران، وروسيا، والصين، الذين هم من وجهة النظر الأمريكية أعداء الولايات المتحدة، ومهددو مشاريعها الاستعمارية في المنطقة والعالم، وحيث اللعب والاستثمار بورقة اللاجئين الأفغان ثانياً، وحيث تحويل أفغانستان إلى بؤرة إرهابية تنشر سمومها التكفيرية في كل حدب وصوب ثالثاً، وهذا هو مصلحة أمريكية بامتياز؟.
أمريكا هزمت في أفغانستان، أجل لقد هزمت، وهو الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان، بل هو ما أجمع عليه كبار المحللين السياسيين، على سبيل الذكر لا الحصر، ما قاله إيشان ثارور في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” والذي أكد بدوره أن الانهيار السريع في أفغانستان هو جزء من هزيمة واضحة للولايات المتحدة في البلاد منذ عقود، مشيراً إلى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما في ذلك جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، كانت تخفي الحقيقة، وهي أن الولايات المتحدة تخسر الحرب وأن القادة في البيت الأبيض والجيش يحاولون دفن الأخطاء.
ولكن يبقى اللافت لنا هو ما ذكره رئيس نظام الإرهاب الأمريكي جو بايدن في دفاعه الحار عن قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان قبل 11 أيلول بقوله: لم نذهب إلى أفغانستان لبناء أمة، وهو هنا يؤكد المؤكد بأن أمريكا وقواتها المحتلة لم تكن أكثر من قوات احتلال للنهب والسرقة والبلطجة وآخر همها مصلحة الشعوب التي تحتلها.
بايدن استرسل في حديثه لافتاً إلى أن التاريخ حذر من الفشل المحتوم في أفغانستان، ليداري من حيث يدري أو لا يدري، على إخفاق بلاده في الملف الأفغاني، وعجزها التام عن تحقيق مآربها في هذا البلد.
وتابع بايدن حديثه بالقول لم تستطع أمة توحيد أفغانستان لا بريطانيا أو الاتحاد السوفييتي، مضيفاً: لن أرسل جيلا آخر من الأمريكيين إلى حرب في أفغانستان بتوقعات منطقية لتحقيق نتيجة مختلفة.
الجدير ذكره هنا أن مشهد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان ذكر العديد من المحللين والمراقبين بمشهد الانسحاب الأمريكي من فيتنام، فكثيرة هي التشابهات بين الحربين فبلغة الأرقام، تمثل الحربان أطول حربين فاشلتين قامت بهما الولايات المتحدة في تاريخها حتى الآن، حيث استمرت حرب فيتنام حوالي 20 عاماً والتي استمرت في عهد 5 رؤساء أمريكيين، في حين استمرت الحرب في أفغانستان 20 عاماً أيضاً طوال عهد 4 رؤساء تعاقبوا على البيت الأبيض.
وبينما أنفقت الولايات المتحدة على حرب فيتنام 168 مليار دولار، بحسب بعض الدراسات، أي ما يعادل تريليون دولار في الوقت الحالي طبقاً لتقديرات موقع ذا بالانس الأمريكي، وفي الخسائر البشرية، قُتل في حرب فيتنام أكثر من 58 ألف جندي أمريكي، في حين كانت التكلفة البشرية في أفغانستان أقل والتي تُقدر بحوالي 2500 جندي أمريكي.
وتقدر صحيفة نيويورك تايمز تكلفة الحرب في أفغانستان بـ2 تريليون دولار في حين شاركت الولايات المتحدة في ذروة الحرب في فيتنام بأكثر من 300 ألف جندي وفقاً لموقع هيستوري، وفي أفغانستان شاركت في ذروة الحرب بـ 100 ألف جندي.
أما في أثناء كلٍ من الحربين، فقد استعانت الولايات المتحدة بحلفائها لإرسال قوات عسكرية من أجل حسم المعركة لصالحها، إلا أن تلك القوات لم تستطع تغيير أي شيء في المعادلة على أرض الواقع، بل تكبدت خسائر جعلتها تنسحب قبل خروج الولايات المتحدة من هاتين الحربين.
