الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
تسببت جائحة COVID-19 بالعديد من الاضطرابات في العمل الإنساني منذ عام 2020، فبينما كافح المانحون التقليديون لمواجهة الاستجابات المحلية لوباء COVID-19، اغتنم المانحون الناشئون مثل الصين والهند الفرصة لزيادة بصمتهم الإنسانية.
فقد قدم البلدان مساعدات إنسانية لأكثر من 150 دولة ومنظمة دولية في عام 2020، مع الدعم الفني عبر الإنترنت كأحد السبل المهمة لأنشطة المساعدة الخاصة بهم، حيث يتماشى انتقالهم إلى توصيل المساعدات عبر الإنترنت مع الاتجاه العام في القطاع الإنساني نحو زيادة استخدام البرامج الإنسانية عن بُعد.
وأحد الدوافع الرئيسية وراء التحول إلى البرمجة عن بعد هو الحاجة إلى تقليل المخاطر الأمنية المتزايدة في عالم يتقلص فيه وصول المساعدات الإنسانية، تسهل البرمجة الإنسانية عن بُعد الاتصالات بين المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، مما يمكّن الجهات الإنسانية الفاعلة الأجنبية من الاتصال بالمحتاجين دون التواجد المادي، وهذه الطريقة ليست جديدة في قطاع العمل الإنساني، ففي التسعينيات انسحبت الجهات الفاعلة الإنسانية الدولية من البلدان الهشة، مثل الصومال، واعتمدت على البرمجة عن بعد لتقديم المساعدة للمحتاجين.
كما أنه وفي السنوات الأخيرة، أصبحت سلامة وأمن العاملين في المجال الإنساني عرضة للخطر بشكل متزايد، حيث أنه في عام 2019 وحده، قُتل أو جُرح أو اختُطف 483 عاملاً في المجال الإنساني، وهو أعلى رقم مسجل، مما اضطر الوكالات الإنسانية الدولية إلى نقل موظفيها بعيداً عن البيئات عالية الخطورة وتقديم المساعدة من خلال الشركاء الوطنيين والمحليين، لكن نقل الموظفين الدوليين يثير القلق بسبب المخاطر التي يواجهونها، مما أدى إلى دعوات لحماية أفضل للوكالات الإنسانية المحلية.
مما لاشك فيه فقد تسبب فيروس كورونا في تعطيل العمل الإنساني بشكل كبير، حيث أدت مخاطر العدوى والقيود المفروضة على السفر إلى تقليص عمليات نشر المساعدات، كما أدى انخفاض الشحن الجوي والبحري، وانخفاض قدرة المناولة في الموانئ، وإطالة أوقات التخليص الجمركي، إلى تعطيل سلاسل التوريد الإنسانية الدولية، وقد أجبرت هذه القيود الوكالات الإنسانية الدولية على الاعتماد على المنظمات الوطنية والمحلية للوصول إلى المجتمعات المتضررة.
ومن ناحية أخرى فإن التقدم التكنولوجي يسهل تطوير البرمجة عن بعد. وتعمل المنصات مثل Zoom و MS Teams و Blue Jeans على تحسين الاتصال والتنسيق بين الشركاء على المستويات المحلية والوطنية والدولية، كما يُستخدم نظام المعلومات الجغرافية datacan للتخطيط لتوزيع لقاح COVID-19، بينما يتم نشر الطائرات بدون طيار لتقديم اللقاحات، ويتيح الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات إمكانية التعاون الافتراضي، مثل التمويل الجماعي، ويتم أيضاً استخدام الدفع الرقمي في البرمجة النقدية.
لكن لا يزال من غير الواضح ما الذي يوصف بأنه “محلي”، ومقدار قدرة الجهات الفاعلة المحلية وما إذا كان يمكن للمانحين الوثوق بالمنظمات الإنسانية المحلية لإدارة أموالهم. فهناك خلل في التمويل بين المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، حيث لا يزال العديد من المانحين يفضلون الأولى.
يمكن للترتيبات عن بعد أن تتخذ أشكالاً مختلفة، مثل التحكم عن بعد والتفويض والدعم والشراكات، ولتسهيل التوطين حقاً، يجب إشراك المنظمات الإنسانية المحلية كشركاء خلال مراحل صنع القرار والتخطيط للبرمجة عن بُعد بدلاً من مجرد تنفيذ المشاريع. هناك أيضاً حاجة إلى مزيد من التركيز على بناء القدرات لتعزيز إدارة المعونة على المستوى المحلي لضمان استمرار التقدم الذي تم إحرازه خلال انتشار الوباء.
أدى COVID-19 إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية الموجودة مسبقاً وتسبب في حالات طوارئ جديدة، فقد طالبت الأمم المتحدة بحوالي 10.3 مليار دولار أمريكي لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية لـ COVID-19 للفترة من نيسان إلى كانون الأول 2020. ولسد الثغرات أصبح من المهم للقطاع الإنساني استكشاف مصادر جديدة للتمويل والموارد، مثل الجهات المانحة الناشئة.
تستمر الصين في الظهور كجهة مانحة للمساعدات، وبشكل ملحوظ من خلال أنشطة المساعدة إلى جانب تطوير مبادرة الحزام والطريق (BRI). وتمر مبادرة الحزام والطريق عبر العديد من البلدان الآسيوية والأفريقية المعرضة للمخاطر الطبيعية والصراعات الداخلية.
وبالمثل، تم الاعتراف بالهند كجهة مانحة ناشئة من خلال مساعدتها الإنسانية للبلدان في جنوب آسيا المعرضة للمخاطر الطبيعية. فمنذ انتشار COVID-19 على مستوى العالم، قامت كل من الصين والهند بنشاطات دبلوماسية من خلال تقديم مساعدات إنسانية ضخمة للدول والمنظمات الدولية. كان جزء مهم من هذه المساعدة هو عقد المؤتمرات عبر الفيديو والتدريب عبر الإنترنت للعاملين الصحيين من البلدان المتلقية للمساعدات.
في حين أن الإنفاق الإنساني لكل منهما لا يزال متواضعاُ مقارنة بالمانحين التقليديين، إلا أن الصين والهند تتمتعان بقدرات مادية وخبرة في الاستجابة للأخطار الطبيعية وحالات الطوارئ الصحية العامة والتأثير السياسي في العالم النامي، وكان هذا هو الأساس لتوسيع مشاركتهم الإنسانية. ومع ذلك يقدم كلا البلدين دعمهما بشكل عام من خلال الحكومات الوطنية والوكالات الدولية.
ولا تزال أنظمة المساعدة الرسمية الخاصة بهم تعتمد على المساعدة المالية المباشرة بسبب القدرة المحدودة التي تمتلكها المنظمات غير الحكومية المحلية للقيام بعمليات خارجية.
كما توفر البرامج الإنسانية عن بُعد جسراً للصين والهند لتوسيع مشاركتهما الإنسانية في الخارج دون الحاجة إلى تطوير المنظمات الإنسانية المحلية، حيث يحتاج البلدان إلى التأكد من أن تصميم وتنفيذ هذه البرامج الإنسانية عن بعد يتضمن تدابير قوية لرصد وتقييم وتوفير مراقبة الجودة، ولكن لا تزال الحوكمة حلقة ضعيفة في برامج المساعدة الخاصة بهم وتحتاج إلى معالجة إذا كانوا يريدون أن يصبحوا لاعبين رئيسيين في النظام الإنساني الدولي.
المصدر: East Asia Forum