الثورة أون لاين – أحمد حمادة:
رغم أن التحليل السياسي الذي أوردته “سبوتنيك انترناشيونال”، والذي تكهنت فيه بإمكانية أن تتسبب جائحة كورونا بنهاية الإمبراطورية الأميركية، فيه ربما شيء من المبالغة، إلا أن كل المعطيات تشير على الأقل إلى تراجع مكانة أميركا في العالم، وبداية أفول مرحلة الهيمنة الأميركية على الدول والشعوب والمؤسسات الدولية، ولأسباب عديدة، غير آلية تعاطيها مع “كوفيد19” ونتائجها.
قبل الدخول في تفاصيل تلك الأسباب نورد هنا ما قالته “سبوتنيك انترناشيونال” بأن الولايات المتحدة باتت تواجه ظروفاً عاصفة بعد أن أرهقها وباء (كوفيد 19)، ويمكن أن يؤدي التأثير الاقتصادي طويل المدى إلى تسريع نهاية قوتها العالمية كما نعرفها، فمستشفياتها تغص بالمصابين، والوفيات بأعلى مستوياتها على المستوى العالمي (630 ألف حالة وفاة)، والكلفة المالية الباهظة باتت بالذروة، ناهيك عن استمرار هيمنة الضرورات الرأسمالية على السياسة الاجتماعية التي تمنع وجود استراتيجية متماسكة وفعالة للصحة العامة، فضلاً عن وجود مشكلة أخرى مميزة للولايات المتحدة، وهي المستوى المفرط للمعلومات المضللة.. حيث يعتقد ملايين الأمريكيين أنه لا يوجد جائحة على الرغم من عدد الوفيات، ومن المذهل أن الكثير من الناس مقتنعون بأن ظاهرة الوباء مجرد خدعة، وتحظى وجهة النظر هذه بشعبية كبيرة بين الذين يؤمنون بالاعتقاد التآمري بأن الأمر كله خدعة عملاقة للتخلص من الحرية الفردية وفرض “إعادة ضبط كبرى واستبداد ليبرالي فاشي”.
ربما يكون “كوفيد19” إذاً عاملاً مساعداً في طي صفحة الهيمنة الأميركية على العالم، لكن الواقع يشير إلى أن هناك العديد من الأسباب التي توفر هذا المناخ اليوم، وفي مقدمتها ظهور قوى عالمية لم تعد تقبل بهذه الهيمنة، مثل الصين وروسيا، وظهرت آثار قوتها وفاعليتها في أروقة المؤسسات الدولية، ومنها مجلس الأمن الدولي، وفرضها رؤيتها بصيغة أكثر من قرار دولي حول قضايا وأزمات عالمية مختلفة.
أيضاً فإن ملامح الحرب الباردة الجديدة، التي بدأت تهيمن على الساحة الدولية اليوم، هي من الأسباب المسرّعة لذلك، وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد لخصت الأمر بأحد تعليقاتها قائلة: “العالم ينقسم بشكل متزايد إلى معسكرات أيديولوجية متميزة حيث تأمل كل من الصين والولايات المتحدة في جذب المؤيدين”، لكن هذا الرأي نقضه “لي هايدونغ” الأستاذ في معهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية بقوله: “يكاد يكون من المستحيل تقسيم العالم إلى معسكرين منفصلين، لأن العالم ليس الولايات المتحدة والصين فقط، هناك العديد من البلدان في العالم، كما يوجد أيضاُ العديد من المنظمات الدولية، ولديهم أصوات مختلفة حول اتجاه النظام الدولي”.
ومن الأسباب الأخرى المسرّعة بأفول عصر الهيمنة الأميركية على العالم أن استراتيجية أميركا القائمة على مبدأ السيطرة من خلال “القوة الناعمة” والابتعاد عن الحروب العسكرية والغزو المباشر، لن يصبح القيمة السائدة في العالم برأي العديد من الباحثين، فضلاً عن أن حلفاء واشنطن الأوروبيين أنفسهم بدؤوا بالابتعاد عنها بأكثر من ملف، وليسوا على استعداد لمتابعتها والانقياد خلفها في كل قضية.
قصارى القول: يؤكد الكثير من الباحثين أن أميركا لن تقبل بنهاية هيمنتها على العالم، وستقامر كثيراً للحفاظ على هذه الميزة عن طريق الحروب والغزو والإرهاب والاستثمار فيه وبتنظيماته، وما جرى في أفغانستان مؤخراً خير شاهد، وبمعنى آخر ستتواصل حروب أميركا، وفي هذا الصدد يقول السياسي ويليام آستور، وهو ضابط أمريكي سابق: “في مكنون العقل الجمعي الأمريكي النضال من أجل السلام هو شذوذ وانحراف، في حين أن الإقرار بدولة الحرب هي الطبع الآخر”، كما ويقول مدير معهد “كينيسي أندرو بازيفيتش”: إن الكثير من الأمريكيين يفهمون صنع السلام من خلال حروب دون نهاية، وبذلك فإن دعاة الحرب أمثال جون بولتون يتم اعتبارهم في عدة أوساط أميركية واقعيين”، لكن السؤال الأخير هو: هل تتحقق رؤية هؤلاء أمثال “آستور وبولتون” أم إن حقائق التاريخ هي التي سترسم ملامح العالم الجديد