الملحق الثقافي:عبدالحكيم مرزوق:
أقامت «الهيئة العامة السوريّة للكتاب» في وزارة الثقافة، وبالتنسيق مع جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب، ندوة في «فرع حمص لاتحاد الكتاب» تحت عنوان «عبد المعين الملوحي أديباً، وشاعراً، ومترجماً»، وقد ابتُدأتْ الندوة بقصيدةٍ قدّمها الشاعر «مظهر الحجي»، ورثى فيها صديقه الراحل الذي عشق مدينته حمص، وشكّل رحيله فراغاً مفجعاً في الساحة الأدبيّة، معدّداً سجاياه ومآثره بقوله:
«قــرأتُ فيك الهوى والله والوطنا
يا عــاشقاً لم يهنْ يومــاً ولا وهنا
قرأتُ فيكَ الرؤى خضراء ملهمة
لم تحنِ هـاماً، ولم تسـترفدِ المننا
وكنتَ تبصرُ مـــا حارَ الدليل بـهِ
فكنتَ أحـكمنا بــل كنتَ أبصرنا»
عبد المعين ملوحي شاعراً ومترجماً
تحت هذا العنوان، قدّم الدكتور «ثائر زين الدين» رئيس الهيئة السورية العامة للكتاب، مداخلة قال فيها:
«حين تقف أمام «عبد المعين ملوحي» بإرثه الهائل، شاعراً، ومترجماً، وناقداً، ومحقّقاً، ومعلماً، ورجل تنويرٍ ونهضة، قدّم للمكتبة ما يزيد عن مئة كتاب مطبوع، ونحو ثلاثة آلاف مقالة، وعشرات المخطوطات التي لم ترَ النور، تحتار من أين ستبدأ»..
ووجد د. «زين الدين» أن أحزان الملوحي الحادة، التي لازمته طويلاً، جعلته أحد أبرز شعراء الرثاء العرب المعاصرين، وبأنه ورغم تألّقه في نظم الشعر، بقي متواضعاً ولم يعدّ نفسه في الشعراء، وقد صرّح بذلك نثراً وشعراً، وعبّر عن مذهبه الشعري، وامتازت ترجماته بلغتها الخلابة، لكأنها مكتوبة أساساً باللغة العربية، فلا ضعف، ولا ركاكة، ولا عجمية في أساليب الصياغة، وهذا ما فسّرته بعض إجاباته في لقاءٍ، كان قد نشر في جريدة «المساء» اللبنانية، فهو يرى أن الترجمة التي يتصرف بها المترجم، فيزيد وينقّص، ويحذف ما يريد، ليست ترجمة على الإطلاق، وإنما هي كتاب من تأليف المترجم، استمدّ عناصره من غيره .
أسلوب الملوحي في الترجمة
أيضاً، قدّم الدكتور «باسل المسالمة» مداخلة تناولت، أسلوب «عبد المعين الملوحي» في الترجمة، لافتاً إلى كونه أول من ترجم «دوستوفسكي»، وأول من ترجم الشعر الفيتنامي، وبأن كتبه المترجمة بلغت ما يربو عن ثمانية وثلاثين كتاباً، وهذا الكمّ الكبير من الأعمال المترجمة، يأتي من إيمانه بان الترجمة كما عرّفها: نافذة تطلّ منها على آداب العالم وحياته وأفكاره»، وبهذا المعنى، فالترجمة عملٌ حضاريّ راقٍ، لا تستغني عنه أمّة، سواء كانت كبيرة أم صغيرة..
ولقد نوّه د. المسالمة، إلى أن الملوحي ينتقي كلماته وعباراته وتراكيبه القواعدية، واللغويّة، بأسلوبٍ يدلّ على بلاغة، وإحاطة بالعربية، فتأخذ ترجمته القارئ بعيداً عن تخيّلاته، التي تحدّث عن أثرها فيه، وهذا ما شهدناه من نقلِ الملوحي، رواية «داغستان بلدي» لـ «رسول حمزاتوف» الى العربية، فقد تميزت ترجمته فيها، برهافة الحسّ وجماليّة الصور والأفكار المصوغة برونقِ العربيّة الزاخرة بكلّ صنوف الجمال والثراء، وفي ترجمته لرواية «الخروج إلى الهواء الطلق» للكاتب البريطاني «جورج اورويل»، استطاع أن يلمّ بكل التفاصيل العملية، فأنتج ترجمة أسماها «المسالمة» بالإبداعية، إذ بدا النصّ المنقول كأنه نتاج بيئتنا العربية نفسها، وذلك لما يتمتع به المترجم من حسٍّ جماليٍّ عال.
الأدب والحياة عند الملوحي
بعد د. «المسالمة، تحدّث «محمد الدنيا» عن الأدب والحياة عند الملوحي، مشيراً إلى ذكرياته في حمص والعاصي، والأدب والشعر وهموم الحياة، ومنوّها إلى دورِ الإلهام كعنصرٍ أساسيّ في العمليّة الإبداعيّة.. أشار أيضاً، إلى أن الملوحي كان عاشقاً للغة العربية، ومعتزّاً بها، ومدافعاً شرساً عنها، وبأنه كان يعتبر أن كلّ الكتّاب سواسية لديه، مهما كانوا متناقضين، فهو يقرؤهم في إعجاب، ثم يتأملهم في هدوء، بعدها ينساهم ليعاشر غيرهم..
يتابع «الدنيا» بأن الملوحي كان شاعراً عالمياً رفيع المستوى، سخيّ الموسيقا، ثريّ الصور، غنيّ العاطفة والوجدان، ويتحدث عن التدريس والدروس، حيث يقول أنه أحبّ حمص، وأحبّ من أجلها وطنه سورية، التي أحبّ كلّ العالم لأجلها.
يتوصل «الدنيا» إلى القول، بأن لأدب الملوحي وكتاباته وذكرياته، صفاتٌ وسماتٌ ملوّنة بالجمال والإبداع، والتعبير الوجداني، وحب الحياة والشفافية، والحزن أحياناً، وبأن معينها يكاد لا ينضب لوفرتها وغزارتها.
الترجمة والإيديولوجية عند الملوحي
الدكتور «حسام الدين خضور»، تحدث عن الترجمة والإيديولوجية عند الملوحي، حيث يقول: لقد فعل الملوحي مالم تفعله مؤسسات عامة وخاصة، ترجم وكان أميناً للنصِّ الذي ترجمه»، ويضيف: تنطبق على الملوحي إحدى صفات المترجم الأيديولوجيّ، وربما كانت أكثرها براءة، وهو أن حبّ الملوحي للاشتراكيّة جعله يترجم أدب الكتّاب الاشتراكيين، سواء كان ذا قيمةٍ أدبيةٍ رفيعة أم لا، وجعله يصوّر الأديب الذي يترجم له، ملحمة إنسانية بذاته، نراه واضحاً في ترجمته للرواية البلغارية، سورايبر انطون ستراشيميروف، ويتساءل «خضور»: هل هذا بتأثير الأيديولوجية؟.. ليجيب: هذا واضح بالحرارة والعاطفة التي تشعّ بها كلمات المترجم في المقدمة التي كان يحرص عليها في أعماله، يريد أن تصل بكلّ حرارتها إلى القارئ و(نحن) لا نفعل هذا في الوقت الحاضر، كأنه لا يهمّنا ما نقدم للقارئ.
نظرات عبد المعين الملوحي إلى الأدب
وتحدث الدكتور «ممدوح أبو الوي» عن نظرات الملوحي إلى الأدب، حيث وجد أن أشعاره أكثر من جريئة، لدرجة أنه لا يجرؤ على قراءة بعض أبياتها، وكلّ القراء ينسخونها بأقلامهم ويحفظونها، وهو مترجمٌ كبير، وبأن كتاب «ذكريات حياتي الأدبية» لـ «مكسيم غوركي» الذي صدر عام 1944، كان أول كتاب قام بترجمته..
يضاف إلى ذلك، أن الملوحي كان باحثاً متميزاً، أصدر الكثير الكثير من الكتب التي منها، كتاب أشعار اللصوص وأخبارهم، في ثلاثة مجلدات، وكتاب الأدب في خدمة المجتمع وغيرها، وبأنه يرى أن غاية الفن هي الجمال، ولكن هذا العصر أصيب بالتخمة المادية والنفعية الحسيّة، وصار الناس لا يؤمنون بشيء إلا إذا حمل في طياته نفعاً محسوساً، وذكر أن الملوحي يذكر ست وظائف للأدب، وهو يحاول تطبيق آرائه النظرية على مشكلات واقعنا العربي، فيأخذ مثلاً قضية الدعوة إلى الوحدة العربية، والدعوة إلى القومية العربية، ويرى أن كثيراً من رجال السياسة والفكر عالجوا هذه القضايا، أما الأديب فيعالجها من زوايا ثلاث: (أن يعبّر عن شعوره تعبيراً فنياً، وأن يقف من الموضوع موقفاً إنسانياً، وأن يكون في تعبيره قوة إيحاء، فينقل شعوره إلى الناس والمجتمع، فيحسّ المجتمع بما يحسّ به الأديب .
كسر احتكار الترجمات الغربية إلى اللغة العربية
في نهاية الندوة، تحدث «شاهر أحمد نصر» عن قدرة الملوحي على كسر احتكار الترجمات الغربية إلى اللغة العربية، وبأن بدء إطّلاعه على الأدب الأجنبي كان نتيجة للمصادفة، وعندما اشترى أول كتاب باللغة الفرنسية، للكاتب الروسي «دوستويفسكي» من بائع القضامة الذي كان يصرّها بأوراق الكتاب.
في عام 1944 صدر في القاهرة أول كتاب ترجمه، وكان مذكرات مكسيم غوركي الأدبية، وربّما كان أول كتاب نُشر لهذا الكاتب باللغة العربية، وقد ترجمه لأنّه أُعجب به أولاً من الناحية الأدبية، كما أعجب بهذا الكاتب الذي كان حمّالاً وفرّاناً، وصار أكبر كاتب بروليتاري في العالم، فـ «مكسيم غوركي» يمثّل خير تمثيلٍ، أعداداً كبيرة من الناس، في الطبقات الفقيرة التي عانت في حياتها.
أما عن مآثر الملوحي، فقيامه بكسرِ احتكار الترجمات الغربية إلى اللغة العربية؛ فحركة الترجمة العربية الناشطة سريعة وغير دقيقة، وتنقل الحوادث والوقائع، ولا تنقل الروح في العمل، كما أنّها تعرّفنا إلى أدبٍ معروف هو الأدب الغربي، وبعد خبرته الطويلة في مجال الترجمة، كان من المنادين بإنشاء هيئة عامة للترجمة، تستطيع أن تختار ما يمكن ترجمته، ويحقق الفائدة للقارئ، بدلاً من أن يظلّ النشر خاضعاً للأمزجة والجهود الفردية، وهو حال حركة الترجمة في بلادنا عموماً، التي اعتمدت في الغالب على مبادرات فردية…
أخيراً، كان للدكتور «نزار عيون السود» صديق الراحل، كلمته التي تناولت رحلة الملوحي مع الفكر والثقافة، منذ تسلمه في ستينيات القرن الماضي إدارة المراكز الثقافية في حمص ودمشق، وصولاً إلى تحويله هذه المراكز، إلى مصادر إشعاعٍ ثقافيّ ومسرحيّ وفنيّ وفكريّ.
التاريخ: الثلاثاء31-8-2021
رقم العدد :1061