“نبض الحياة الطبي”.. خدمات مجانية تخفيفاً للضغوطات

الثورة – مها دياب:

مع تصاعد الأزمات الاقتصادية والمعيشية في سوريا، تحول العلاج إلى عبء ثقيل يثقل كاهل المواطنين، إذ أصبحت تكاليف الرعاية الطبية بعيدة عن متناول الغالبية، في ظل ارتفاع أسعار المعاينات، والتحاليل، والأدوية، والعمليات الجراحية بشكل غير مسبوق.

في هذا الواقع القاسي، لم يعد المرض مجرد أزمة صحية، بل بات معاناة اجتماعية مركبة، تفرض على المريض وأسرته خيارات مؤلمة، تبدأ بالتأجيل وتنتهي غالباً بالإحجام الكامل عن العلاج.

سدّ الفجوة العلاجية

في ظلّ هذا المشهد، تبرز الحاجة إلى تدخل المجتمع المدني من خلال مبادرات صحية وإنسانية تعيد التوازن وتسد الفجوة التي تركها غياب الدعم الرسمي.. من بين تلك المبادرات، يبرز مشروع “نبض الحياة الطبي” كمثال حيّ على قدرة العمل التطوعي المنظم في التصدي لمظاهر العجز والاحتياج، من خلال تقديم خدمات طبية بتكاليف رمزية أو مجانية، تستهدف الفئات الأكثر تضرراً، وتعيد الاعتبار للحق في العلاج بوصفه حقاً إنسانياً غير قابل للمساومة.

وفي لقاء خاص أجرته صحيفة الثورة مع مدير مشروع “نبض الحياة الطبي” الأستاذ عبد الرحمن حمد، أوضح أن المشروع يقوم على مبدأ أن العلاج يجب أن يكون متاحاً لكل من يحتاج إليه، بغض النظر عن وضعه المالي، وأن المبادرة تسعى إلى بناء نموذج صحي بديل يقوم على التطوع والتكامل مع المراكز المحلية، مع اعتماد الحاجة الطبية كمعيار أساسي للتدخل.

وأشار إلى أن المبادرة لا تكتفي بالشعارات، بل تترجم التزاماتها إلى خطوات ملموسة، تشمل التدخلات الجراحية، والتحاليل المخبرية، وجلسات التأهيل، التي تُقدم مجاناً أو بتكاليف رمزية بعد دراسة دقيقة لكل حالة.

قصص إنسانية

 

وحول القصص الإنسانية التي تختصر معاناة المرضى، أكد حمد أن المشروع لا يتوقف عند تقديم الخدمة، بل يروي قصصاً إنسانية مؤثرة من قلب الألم، ومن بين هذه القصص، حالة فتاة في السابعة عشر من عمرها كانت تعاني من انحراف حاد في الحاجز الأنفي وتضخم في القرنيات تسبب لها مشكلات تنفسية مزمنة.. بفضل جهود الفريق الطبي، خضعت لعملية تصحيح أعادت لها القدرة على التنفس بشكل طبيعي.

حاجٌ مسنٌ كاد يفقد بصره بسبب المياه البيضاء، استعاد نظره بعد زراعة ناجحة للقرنية.. ورجل مصاب بانزلاق غضروفي تسبب له بشلل جزئي، خضع لتثبيت الفقرات وبدأ طريق التعافي بتغطية تجاوزت نصف التكلفة.

وفيما يخص شبكة التوزيع الجغرافي، أوضح أن آلية العمل تستند إلى تقييم طبي واجتماعي دقيق، إذ يعتمد المشروع في عمله على شبكة من الكوادر الطبية المتطوعة والمراكز الشريكة المنتشرة في عدد من المحافظات، ما يسمح بتوسيع دائرة المستفيدين دون التركيز في منطقة واحدة.

وتبدأ آلية استقبال الحالات بالتقييم الطبي الأولي، يليه دراسة الوضع الاجتماعي للمريض، وتحليل الفحوصات، وصولاً إلى تحديد أولوية العلاج والتدخل المناسب، هذه المنهجية تهدف إلى ضمان العدالة في تقديم الخدمات الطبية ضمن الإمكانيات المتاحة، خاصة في ظل العدد المتزايد من الحالات اليومية.

تحديات

قال حمد: رغم النجاح الذي تحققه المبادرة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة، أبرزها: غياب الدعم الرسمي وعدم توافر مظلة تمويل ثابتة، الأمر الذي يجعل تأمين المستلزمات الطبية والأدوية والتحاليل أمراً مرهقاً، كما أن هناك صعوبات لوجستية في التنقل والتنسيق بين المناطق، خاصةً في ظل الوضع الأمني والاقتصادي المعقد.

وأشار إلى أن المشروع يتجاوز في أهدافه الجانب العلاجي، ليصل إلى إعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة الطبية حتى وإن كانت غير رسمية، لأن المستفيدين لا يشعرون فقط بالتحسن الصحي، بل يعيشون تجربة تحترم إنسانيتهم وتعيد إليهم الأمل الذي ظنوا أنه فقد.

وعبّر العديد من المستفيدين من المشروع عن اندهاشهم من الحصول على خدمة مجانية أو مدعومة بالكامل، في وقت بات فيه الطب حكراً على القادرين فقط.

تضامن صحي مجتمعي

 

تمثل مبادرة “نبض الحياة الطبي” نموذجاً حيّاً لقوة التضامن المجتمعي، وتذكيراً بأن العمل التطوعي المنظم قادر على صناعة الفرق حين تغيب السياسات.

هي ليست مجرد مشروع طبي، بل منصة لإحياء القيم الإنسانية، ترفع صوت من لا صوت لهم، وتمنح معنى جديداً لفكرة الشفاء، إنها دعوة مفتوحة لكل من يملك القدرة على المساهمة، من أفراد ومؤسسات وأطباء وإعلاميين، لدعم استمراريتها وصون رسالتها النبيلة.

آخر الأخبار
الثروة الحيوانية في طرطوس.. تحصينات وقائية ضد الأمراض وصعوبات تواجه المربين اقتصاد سوريا الأزرق.. القبطان محمد جمال عثمان لـ"الثورة": استثمار "موانئ دبي" مقدمة لنهضة في صناعة ... وزير التربية يطمئن: لا يُهضم حق أي طالب وزير الداخلية الكويتي: لن يكون هناك وجود لحزب الله في بلدنا Counter Punch : الشركات الاقتصادية الكبرى متورطة في الإبادة الجماعية في غزة ترحيب بالاتفاقية مع "موانئ دبي العالمية.. خبير مصرفي لـ"الثورة": زيادة الاستثمار وتحسن في الاقتصاد أحياء ضمن مدينة حمص بلا مياه.. والمؤسسة توضح السبب العدالة ليست خياراً سياسياً بل ضرورة أخلاقية وإنسانية تحديات فنية ولوجستية تواجه جهود تنفيذ التزامات سوريا بنزع "الكيميائي" نهر قويق.. حين يتحوّل الماء إلى وباء التعليم المهني من هامش مُهمَل إلى رافعة الاقتصاد الوطني الأمن الإقليمي وسيناريوهات نزع الأسلحة المحرمة دولياً.. "إسرائيل" أنموذجاً السياسة الخارجية الأميركية بين الاستراتيجية طويلة الأمد والمرونة قصيرة الأجل  هل تعاون النظام البائد مع "حظر الكيماوية" أم ضللها..؟! الاتفاقية مع "موانئ دبي العالمية".. باب واسع لتطوير وتصدير المنتجات الزراعية والغذائية بين صمت المعنيين وصراخ المواطن.. غلاءٌ ينهش الجيوب وخدمات تتراجع خبزٌ بطعم الخيبة.. ذكريات موجعة من يوميات "بطاقة ذكية" واقع السكن العشوائي في سوريا.. أحياء بلا هوية  تصميم نظام تمويل عقاري يحتاج لإعادة هيكلة القطاع المصرفي راحة ورضا بين طلاب الثانوية بعد أداء امتحان التربية الدينية