بين صمت المعنيين وصراخ المواطن.. غلاءٌ ينهش الجيوب وخدمات تتراجع

الثورة – سمر حمامة:

لم تعد ملامح التعب تقتصر على وجوه العابرين في شوارع دمشق وريفها، بل أصبحت مرآة حقيقية لوضع معيشي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.. في كل زاوية حكاية، وفي كل سوق صدمة سعرية، وفي كل حيّ أزمة خدمية تتفاقم.. الغلاء المستمر، وغياب الرقابة، وسوء توزيع الخدمات، كلها باتت مشاهداً يومية مألوفة للمواطن السوري، وسط عجز واضح في ضبط الفوضى، وتراخٍ في تنفيذ الوعود التي لا تتجاوز حدود التصريحات الإعلامية.

تُباع المواد الغذائية في الأسواق بأسعار متضاربة، تختلف بشكل ملحوظ بين منطقة وأخرى، من دون وجود أي تسعيرة نظامية واضحة، أو مراقبة فاعلة تحدّ من التلاعب، فالسوق اليوم يخضع لمنطق العرض والطلب غير المنظم، والتجار يستغلّون الحاجة من دون حسيب أو رقيب.

وبالتوازي مع الغلاء، تنتشر حالات الغش في المواد الاستهلاكية، ولاسيّما الغذائية منها، إذ تُعرض سلع منتهية الصلاحية من دون رقابة تُذكر، في محال تفتقر لأبسط معايير النظافة، سواء من حيث العاملين أم آليات التخزين والعرض.

الأمر الذي أدى إلى تفشّي أمراض متعلّقة بتناول طعام ملوث، كالقيء والإسهال وارتفاع الحرارة، خاصة بين الأطفال، بسبب ريّ الخضروات والفواكه بمياه غير صالحة، من دون محاسبة واضحة للمسؤولين عن ذلك.

تفتقر أغلب المحال الصغيرة وحتى بعض الأسواق الكبرى لوجود مراقبين صحيين يتابعون جودة الأغذية، كما أن كثيراً من العمال في المطاعم والمحال التي تبيع الوجبات السريعة لا يرتدون اللباس المخصص للعمل الغذائي، في بيئات تفتقد للتعقيم والنظافة، مما يجعل الشكوك حول سلامة ما يُعرض مبرّرة في معظم الأحيان.

وتتسع الفجوة أكثر

حين ننتقل للحديث عن واقع النظافة في الأحياء السكنية، إذ بات مشهد أكوام القمامة متكرراً في معظم المناطق، رغم التصريحات الرسمية والمبادرات الأهلية المتواصلة عن “حملات نظافة شاملة” و”مشاريع تحسين الخدمات”.

ولكن الواقع يفضح تلك الوعود التي لا تجد طريقها إلى التطبيق، لتبقى القمامة مكوّناً ثابتاً من المشهد اليومي، وما يرافقها من حشرات وروائح كريهة ومخاوف من تفشّي الأوبئة.

أما المياه، فمعاناتها قصة بحدّ ذاتها، إذ تعاني العديد من المناطق من انقطاعات متكررة للمياه، تمتد أحياناً لأيام، من دون تفسير واضح أو جدول زمني عادل للتوزيع.

وبينما تنعم بعض الأحياء بوفرة دائمة، تضطر أخرى إلى شراء المياه من صهاريج جوّالة، تبيع ماءً مجهول المصدر، بأسعار مرتفعة، من دون أي إشراف صحي أو مراقبة رسمية.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك ارتفاع أجور المواصلات، والغاز المنزلي، وصعوبة تأمين الخدمات الأساسية، فإننا أمام مشهد متكامل من الضغط المعيشي المتصاعد، الذي لم يترك فسحة للراحة، لا نفسياً ولا مادياً.

الخروج إلى السوق مغامرة

تؤكد رزان وهي مدرسة من حي الميدان، “لقد أصبح الخروج إلى السوق مغامرة يومية، لا نعرف ما الذي سيصادفنا: غلاء مفاجئ، مواد تالفة، أو أصناف مغشوشة، كل ذلك وسط غياب الجهات الرقابية، التي لم نعد نثق بقدرتها على حماية المواطن، لم أعد أشتري شيئاً بثقة، كل سلعة تحتاج فحصاً وشكّاً”.

أين العدالة في توزيع المياه؟

يعبر سامر عن استيائه من انقطاع المياه في ضاحية الشام بقوله: “المياه مقطوعة لأيام متواصلة.. ما اضطرنا لشراء المياه من الصهاريج التي لا يعرف مصدرها.. وعندما نشتكي، يُقال لنا: هناك أعطال، لكن العطل بالحقيقة لا يصل أبداً لبعض الأحياء التي لا تنقطع عنها المياه..

أين العدالة، أين الرقابة!؟

أم علاء، ربة منزل من جديدة عرطوز: “ابني أُصيب بحالة تسمم بعد أن أكل من الطعام الذي اشتريته من المطعم القريب من منزلي، وحين مراجعة الطبيب، أخبرني أن السبب غالباً هو غياب النظافة وتلوث الطعام، والسؤال المشروع لماذا تُترك هذه الأطعمة من دون فحص؟ لماذا لا توجد رقابة؟ نحن نعيش ونأكل بالخوف”.

الجميع متضرر

هيثم، سائق باص صغير يؤكد أن الناس تلوم السائقين على رفع الأجرة لكن الحقيقة أن البنزين غالٍ، والصيانة غالية، لذلك نحتاج إلى أجرة تناسب ما ندفعه ولكنها قد تكون غير مناسبة لأصحاب الدخل المحدود وطلبة المدارس والجامعات، الجميع متضرر، لكن لا أحد يسمع”.

محال تفتقر للنظافة

هدى، طالبة جامعية من برزة: “لم أعد أشعر بالأمان حين أتناول الطعام من خارج المنزل. معظم المحال تفتقر للنظافة، والعاملون لا يرتدون القفازات أو القبعات، ولا أحد يسأل أو يحاسب. رأيت بأم عيني أحدهم يخرج من الحمام دون اكتراث ويعود ليعدّ السندويشات من دون أن يغسل يديه، هل هذه بيئة صالحة للغذاء؟ نحن لا نطالب بالرفاهية، بل بأبسط حقوقنا في طعام نظيف لا يحمل المرض في طياته”.

في وطنٍ يئنّ من الجراح، يصرخ المواطن كلّ يوم بوجعه، لكن صوته لا يجد صداه في مكاتب المسؤولين، الغلاء يلتهم القليل الذي تبقّى من راتب الشهر، والرقابة غائبة كأنها لم تكن، والخدمات تُوزّع بميزانٍ مختل، والماء النقي بات رفاهية لا ينالها الجميع.

ليس المطلوب وعوداً جديدة تُضاف إلى رصيد الإهمال، بل تحرّكاً فعلياً يلمس المواطن أثره في لقمة عيشه، وصحة أطفاله، ونظافة شارعه، وعدالة حصّته من الماء والخدمات.. فالوطن يُبنى بإنصاف من يتعب فيه ويصبر.

آخر الأخبار
الداخلية: دورنا حفظ الأمن وحماية المدنيين في السويداء الشيباني يبحث مع كالاس تعزيز العلاقات بين سوريا و"الأوروبي" تفعيل التعاون بين حسياء الصناعية ومؤسسة الخبراء الألمان بين الشرق والغرب.. مفاجأة لوجستية في قلب الساحل السوري العمل الحكومي المؤسساتي.. ضرورة تنموية في ظل التحديات خارطة طريق لتعزيز التشارك بين الوزارات الغابات رئة سوريا .. كيف نحميها؟ أحدث الطرق لاكتشاف الحرائق لحظة حدوثها تراجعت زراعته إلى النصف.. التبغ هل سيبقى محصولاً استراتيجياً ؟ الظروف المناخية وصعوبة ترحيل الخلايا تخفض إنتاج العسل بطرطوس فيرشينين: الاتصالات بين دمشق وموسكو حول القواعد الروسية مستمرة المملكة المتحدة: سوريا تلتزم بشكل كامل بتدمير بقايا برنامج "الكيميائي" "مجازر الكيميائي".. جرائم لا تسقط بالتقادم.. هبوط حاد بالأسعار وانتعاش لقطاع الموبايلات بطرطوس الثروة الحيوانية في طرطوس.. تحصينات وقائية ضد الأمراض وصعوبات تواجه المربين اقتصاد سوريا الأزرق.. القبطان محمد جمال عثمان لـ"الثورة": استثمار "موانئ دبي" مقدمة لنهضة في صناعة ... وزير التربية يطمئن: لا يُهضم حق أي طالب وزير الداخلية الكويتي: لن يكون هناك وجود لحزب الله في بلدنا Counter Punch : الشركات الاقتصادية الكبرى متورطة في الإبادة الجماعية في غزة ترحيب بالاتفاقية مع "موانئ دبي العالمية.. خبير مصرفي لـ"الثورة": زيادة الاستثمار وتحسن في الاقتصاد أحياء ضمن مدينة حمص بلا مياه.. والمؤسسة توضح السبب العدالة ليست خياراً سياسياً بل ضرورة أخلاقية وإنسانية