خبزٌ بطعم الخيبة.. ذكريات موجعة من يوميات “بطاقة ذكية”

الثورة – لينا إسماعيل:

كنت قد لمحتُها بين زحام المنتظرين على قائمة الفرج، استوقفتني نظراتها الباحثة بقلقٍ مُلفت عن أحدٍ ما، وهي قادمة باتجاه بوابة الفرن الوحيد في بلدة جديدة عرطوز بريف دمشق.. بينما كانت أنظار الجموع من حولها مُعلّقة نحو هذه البوابة، يستجمعون قواهم في مواجهة صقيع الساعات الأولى من الفجر، علّها تمنحهم مزيداً من الصبر الذي لا بديل عنه، في مواجهة القرار الذي أصدرته آنذاك وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 7/18/2021 والمتضمن تقنين جديد لكميات الخبز التي تُوزَّع عبر البطاقة (الذكية)، وذلك بحسب عدد أفراد الأسرة، ما فاقم أزمة الحصول على مخصصات يومية مقننة أصلاً.

أيقنت فجأة أنها وجدت ضالتها، مع إطلالة رجل واجم من نافذة البيع.. إنه أحد عمال الفرن غالباً، فتح البوابة بحذر، وأومأ لها بالتسلل.. بينما كانت تحاول الوصول إليه بصعوبة من بين الجموع البائسة، تخترقها باستحياء، ونظراتها مفعمة بطلب اللجوء الإنساني، علّها تختصر بمساعدته لها ساعات الانتظار المقيتة.

قهر الرجال في زاوية أخرى، بعيدة قليلاً عن الحشد الغفير، كان الرجل السبعيني يُخفي ارتعاد جسده النحيل، فقد نال صقيع كانون من عزمه المُنَهك أصلاً بفعل شقاء السنين.. اتكأ على حاجزٍ حديدي صدِئ، عَلّهُ يمنحه بعضاً من جَلَد الوقوف وقتاً أطول، ولربما يحميه من تبعات أمواج عاتية، هو يدرك أنها قادمة لا محالة، فلا بد لهذه البوابة أن تُشرِع نافذة الفرج.

لاحت في الأفق أخيراً بضع أرغفة ذهبية، وتعالت معها الأصوات، ثم راحت أمواج البائسين تهدر وتمتد نحوه، تتلاطمه فيما بينها بلا هوادة.. ورغم محاولة المحيطين بالرجل المُسنّ حمايته من السقوط الذي لا تُحمد عقباه، إلا أن الأمواج العاتية في هذه اللحظة كانت أقوى بكثير.

حاول الرجل الخروج من المعمعة بأقل الخسائر، لم يعد يريد خبزاً، رغم أن مخصصاته لن تُفرِجَ عنها بطاقته “الذكية” إلا بعد ثلاثة أيام، لكنه رغب بشدة أن يعود أدراجه على قدميه، وإن بات ليلته والليالي القادمة جائعاً.

لم أتمالك نفسي عن سؤاله وأنا أحاول مساعدته.. (شو جابك بهالبرد والزحمة ياعم) العجوز بحرقة انكسار، ونظراتٍ تطلب اللجوء الإنساني (لو بقي حدا من ولادي بالبلد ما شفتيني هون..)

رحلة شقاء

كسر حاجز الصمت المرير بيننا، صراخ امرأة يكسو ملامحها الحداد، وهي تُمسِك بيد طفل لا يتجاوز السادسة من العمر، وكلما ارتفع صوتها التفّ الطفل بمعطفها أكثر، كانت على الطرف المحاذي، أمام نافذة أخرى موازية، و(أمير) الكوّة ينهرها بامتعاض: (مالك مخصصات اليوم تعي بكرا).

ذلك أن قرار الوزارة قضى بالحصول على ربطتي خبز كل ثلاثة أيام، للعائلة المكونة من شخصين، وعلى ربطة واحدة فقط من الخبز يومياً للعائلة المكونة من ثلاثة أشخاص.

بعد طول جدال، تتنازل عن دورها في طابور الصبر الطويل، تجرُّ خيبتها عبر خطوات مثقلة، ونظراتها حائرة، تبحث بين الوجوه عن لجوء إنساني يدرأ عن طفلها معاناة هذه الليلة من الجوع، ولا ندري كم قضت من الحرمان.

رأيتها فيما بعد تتسمر أمام طفلةٍ شقراء، تحتضن كمية لا بأس بها من الخبز، على مدخل الفرن، وبرفقتها صبي أشعث.

يبدو أنها اعتادت على بيع الخبز عند البوابة.. ( بكم الربطة اليوم؟ ).. تجيبها الطفلة بثبات: (الربطتين بألفين) تحاول السيدة مفاوضتها من دون جدوى، وعندما توشك على الرحيل، تُفضي الطفلة بوجع نزوحها وتشردها، في محاولة لتبرير قسوتها الدخيلة.. (والله يا خالة عم بيع نص خبزاتنا لجيب دوا ماما).

تشيح المرأة بوجهها، وبخطوات يائسة تأخذ طريقها نحو المغادرة، توقفها تلك الصبية التي خرجت من البوابة، تقاسمها خبزها ووجعها، فقد كان في رصيد بطاقتها “الذكية” مخصصات خبز للغد المنتظر.

آخر الأخبار
سوريا تشارك في الاجتماع العربي السابع للحد من الكوارث بخطة وطنية دمشق تُعيد رسم خارطة النفوذ..  قراءة في زيارة الشرع إلى روسيا الاتحادية وزير الطوارىء: نحن أبناء المخيّمات..نسعى لإعمار وطنٍ يُبنى بالعدل أوضاع المعتقلين وذوي الضحايا .. محور جولة هيئة العدالة الانتقالية بحلب بعد تحقيق لصحيفة الثورة.. محافظ حلب يحظر المفرقعات تخفيض الأرغفة في الربطة إلى 10 مع بقائها على وزنها وسعرها محافظة حلب تبحث تسهيل إجراءات مجموعات الحج والعمرة  جلسةٌ موسّعةٌ بين الرئيسين الشرع وبوتين لبحث تعزيز التعاون سوريا وروسيا.. شراكةٌ استراتيجيةٌ على أسس السيادة بتقنيات حديثة.. مستشفى الجامعة بحلب يطلق عمليات كيّ القلب الكهربائي بحضور وفد تركي.. جولة على واقع الاستثمار في "الشيخ نجار" بحلب أطباء الطوارئ والعناية المشددة في قلب المأزق الطارئ الصناعات البلاستيكية في حلب تحت ضغط منافسة المستوردة التجربة التركية تبتسم في "دمشق" 110.. رقم الأمل الجديد في منظومة الطوارئ الباحث مضر الأسعد:  نهج الدبلوماسية السورية التوازن في العلاقات 44.2 مليون متابع على مواقع التواصل .. حملة " السويداء منا وفينا" بين الإيجابي والسلبي ملامح العلاقة الجديدة بين سوريا وروسيا لقاء نوعي يجمع وزير الطوارئ وعدد من ذوي الإعاقة لتعزيز التواصل عنف المعلمين.. أثره النفسي على الطلاب وتجارب الأمهات