الثورة أون لاين – حسين صقر:
المسرح هو بيتي الدائم والفضاء الرحب الواسع الذي أطل منه على الحياة وأطل من الحياة عليه بأسمى معانيهما المتفاعلة العظيمة، هذا ما أكده المخرج المسرحي حسن عكلا في حديث مقتضب ل” الثورة”، موضحاً أنه يختار الممثلين لأعماله بناءً على الكفاءة والحرفية والاقتدار وامتلاك الأدوات بصرف النظر عن دواعي وأسباب شهرته.
وأشار أنه يفضل المسرح الجاد الذي يشتغل عليه، لأن له جمهوره النوعي
وهو يفضل النوع على الكم.
وقال عكلا رداً على سؤال حول سبب اختياره للإخراج المسرحي بدلاً عن الأنواع الأخرى، قال: ليس خياراً بقدر ما هو اكتشاف قدرات عبر ممارسة لتجربة مسرحية طويلة شاقة ومن مواقع إبداعية تشمل الكتابة والإعداد والاقتباس وباقي المتممات الأخرى التي تؤلف العرض المسرحي كالتمثيل وتصميم الإضاءة و الديكور والملابس والمؤثرات السمعية والبصرية لأغلب أعمالي المسرحية، وعلى هذا الأساس حسم الأمر لصالح الإخراج كعمل مهني رئيسي مع الأخذ بالاعتبار الظرف الطارئ كما حصل في عملي الأخير “رقصةالموت الأخيرة” ، حين قمت بأداء الدور بدلاً عن المرحوم الفنان الكبير عبد الرحمن أبو
القاسم الذي توفي قبل إنجاز العرض، ولعلك شاهدته وكتبت عنه.
فضاء الخشبة رحب وواسع..
وحول سؤال ما الذي تقدمه الخشبة كحافز رغم اتساع فضاء الشاشة وما تقدمه التقنية المعاصرة لزيادة انتشارها
المتعاظم، قال: يبدو أن المقارنة هنا ليست عادلة ببن فضاء الخشبة المحدود مكانياً وتوفر إمكان التقنية المتصلة بالمؤثرات السمعية البصرية والإضادة وفضاء الشاشة اللامحدود المتاح والتقنيات اللازمة والمساعدة من أدوات لا بد منها كالكاميرات التي تذهب حيث تشاء إضافة لأجهزة المونتاج والصوت والدوبلاج ومستلزماتها، هذا يعني أن وجود الآلة حاسم هنا ويوفر كل شيء،
والمتلقون أخيراً يشاهدون جهازاً يبث شريطاً تم إعداده بعناية وبالوقت المناسب، أما في المسرح على الخشبة
سيبدو كل شيء مختلفاً كما تعلم، فالجمهور وجهاً لوجه أمام عالم تبدعه مخيلة فذة لمبدعين كبار يخلقون حياة لا شك فيها ضمن هذا الحيز ذي المساحة الضيقة باتساع الرؤية الفنية والجمالية المثقلة بضمائر وأفكار تتداعى سيلاً أمام المتفرج بتفاعل حيوي لا يُجارى، ونحن في المسرح نبث روح الحياة ونبض الواقع المعاش في مشهدية درامية تجعلنا نتذكرها طويلاً، وأوضح عكلا ما أروع هذا وما أعظمه من حافز يعيدك إلى الحياة مع كل تجربة جديدة ويحفظ لك إنسانيتك وإنسانية مشاهديك.
وحول سؤال فيما إذا كان المخرج عكلا يجد أن لديه أسلوباً في الإخراج يختلف عن السائد في الوسط المسرحي، أجاب
أنت تعلم أن لكل منا أسلوبه وطريقته في العمل حتى لو كانت طبيعة العمل واحدة، وهذا ما أراه بدهياً، فالأسلوب هو الرجل كما يقولون، ولكن المسألة ستبدو أكثر صعوبة ونحن نتحرى نقاط الخلاف
وفرادة الأسلوب في هذا العمل دوناً عن ذاك، وهذا يلزمه دراية عميقة ترتكز على جملة من العلوم والمعارف والخبرات العالية في فن المسرح، وهذا ليس في متناول أيادي الجميع ولا يطولها النقد عندنا في أحسن حالاته فما بالك بأسوئها وما بالك بمعرفة عمل المخرج للوصول إلى اقتدار اكتشافه ونقده؟
والمخرج كما نعلم هو الذي من البدهي أو المفترض أن يعرف كل شيء وبامتياز عن عمله فضلاً عن معرفته العميقة بكل الأشغال المسرحية المصاحبة.
وأوضح بالقول: أنت مثلاً شاهدت آخر عمل مسرحي لي وتستطيع أن تقرأ العمل وتكتشف عناصر الاختلاف ما لم تكن مزعومة على أقل تقدير.
وأشار المخرج المسرحي لقد قيل الكثير عما يسميه الآخرون بالبصمة الخاصة
في شكل ومضمون أعمال حسن عكلا المسرحي والإنسان، وهذا هو أحد
أهم ما يميز تجربتي برمتها فضلاً عن الأسلوب الذي نتحدث عنه، و لعلي أنهي هنا ما يعرفه الجميع عني كما أني لست جاهلاً بمعرفتي بما أعمل، هو أنني لا أكرر
نفسي، وإن كررت الشغل على بعض أعمالي السابقة ولكنها في عمومها لا تتكرر ولا تتشابه، وهذا امتيازها كما قلت لك، وأكاد أجزم أنني لا أشبه نفسي مع أي عمل جديد اشتغل عليه.
وسائل التواصل حولت بعض الفنانين إلى أنماط متكررة.
وحول المحفزات التي يقدمها الكادر المسرحي حتى يحرض الجمهور
للإقبال على المسرح الذي تتحدث عنه قال: الجميع يعرف أن المسرح فن جماعي وكلما كان الفريق المسرحي منسجماً بجميع عناصره كانت النتائج واعدة مبشرة لنتائج مبهرة ولهذا حرصت دائما على اختيار الكادر بانتقائية فائقة تضم النخبة من الفنانين والفنيين، وهذا جزء مهم من الأسلوب الذي تحدثنا عنه، وأضاف لم يحدث أن خانتني تلك الخيارات، وهي برأيي السر الحاسم لنجاح أي مخرج مسرحي مهما صغر أو علا شأنه، والحديث إذاً على المستوى المهني واختيار الممثلين بصفة خاصة، ولهذا فأنا أختار أكثر الممثلين كفاءة وحرفية واقتداراً أو امتلاكاً لأدوات الممثل المبدع الموهوب بصرف النظر عن دواعي وأسباب شهرته.
وأنت تعلم أن وسائط الاتصال الجماهيري هي سبب مباشر لشهرة أغلب الممثلين حيث حولتهم وفق حاجاتها إلى أدوات وانماط متكرره تلبي حاجة السوق ونحن نادراً ما نرى ممثلاً من هؤلاء يجسد شخصية غير شخصيته، ومع ذلك
يستمرون مسرحياً لكسب أكبر عدد من المشاهدين، أي يلجؤون للكم على حساب النوع.
وأضاف عكلا: المسرح الذي أشتغل
عليه يضع الإنسان في مقدمة أهدافه، ويهتم جدياً بقضاياه المصيرية الكبرى، وليس لمجرد التسلية والإضحاك وقتل الوقت، والمسرح الجاد الذي أشتغل
عليه له جمهوره النوعي أيضاً إنه يأتي
ويتفاعل مع ما يطرح أمامه على الخشبة المسرحية من قضايا عامة وتخصه. هنا وفي الحالة هذه يلزمنا ممثلون كبار و مع ذلك لا وجود لممثل كبير دون مخرج كبير تلك القاعدة هي المحددات الفارقة كاستثناء لقاعدة عامة للأسف.
وتحدث المخرج عكلا عن جديده وماذا يعني المسرح له وقال: الجديد هو أنني تقدمت بمشروع عمل مسرحي لصالح المسرح القومي وأنتظر الموافقة على إدراجه مع نهاية هذا العام، أو بداية العام المقبل وهو نص بعنوان “ورود حمراء
لأجل ماريه” مأخوذ عن مسرحية عطيل يعود للكاتب اليوناني نيكوس كازندزكي.
أما ما الذي يعنيه المسرح لي فهذا سؤال كبير تصعب الإجابة عنه الآن، لكنني مع ذلك أستطيع أن أوجز ما استطعت في هذا الشأن، وأقول لك: إن المسرح هو بيتي الدائم والفضاء الرحب الواسع الذي أطل منه على الحياة وأطل من الحياة عليه بأسمى معانيهما المتفاعلة العظيمة.