بآلاف المليارات من الليرات السورية، تتكدس ودائع السوريين من القطاعين الخاص (في الغالب الأعم) والعام قليلاً، مشكّلة جبلاً من الهموم على عاتق المصارف التي تستضيفها في وقت تبحث فيه المصارف عن مصادر ربح لها في معمعة الركود الاقتصادي الحاصل والفشل المحيط بها من المؤسسات الشريكة معها في العمل المصرفي.
جبال من الودائع تتزاحم لتجد لنفسها موطئ قدم في الخزائن لا يُستفاد منها في شيء، بل على العكس من ذلك، فهي مصدر خسارة واستنزاف لأرباح المصارف المضيفة، كما هي مصدر آمال وهمية في تشكيلها كحجر زاوية لانطلاقة جديدة للقطاع المصرفي.
تتكدس الودائع.. ذلك جميل.. ولكن ما يبدد هذا الجمال هو تبعات هذا التكدس، فالودائع تقترن بالفوائد المستحقة وفقاً للآجال أو نوع الوديعة، فملايين الودائع الموجودة توجب على كل بنك مضيف لها فائدة تتناسب معها، ما يعني مبالغ ضخمة تدفع ربعياً وأحياناً شهرياً أو سنوياً عن هذه الودائع، في وقت لا تجد فيه المصارف مصرفاً واحداً حقيقياً لسيولتها المتكدسة ولا تجد مشروعاً إنتاجياً فعلياً يعمل ويشغّل وينتج ويربح ليرد للمصرف تمويله وبالتالي ربحاً مرفقاً..
المسألة أن المصارف تدفع فوائد كبيرة على الودائع لديها، ولا تعمل غالبيتها بشكل يحقق العائدات لتغطية ما تنفقه من فوائد (سواء كان عدم العمل هذا نتاج عقلية إدارية فاشلة أم نتيجة قيود تكبل المصرف) فتكون النتيجة انفاق دون إيرادات وفوائد دون ربح، وبالتالي استنزاف المصرف وإمكانياته على مدى سنوات..
يبدو أن أحداً لم يفكر حتى اليوم في طريقة حقيقية لتشغيل آلاف المليارات من الليرات المتكدسة لدى المصارف على مستوى الاقتصاد الكلي سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد الوطني عموماً بشكل تصاعدي بحسب تدرج طبقات الاقتصاد، أم بشكل تخصصي بحسب قطاعات الاقتصاد الوطني، حتى تتمكن المصارف من النهوض بالدور المأمول منها في المرحلة القادمة..
لعل من نافلة القول أن إحدى أبرز القواعد الاقتصادية على مدى القرنين الماضيين تقول: “إيداع المال مقابل فائدة هو أسوأ أنواع الاستثمار”.. فما بالك إن كان هذا الاستثمار ينخر شهراً بعد شهر في بنية المصارف وأساساته، في وقت يمكن تحويل وقلب المعادلة لتنتج المصارف ذهباً أصفر أو أحمر أو مهما كان اللون.
لم يفت الوقت بعد على إبعاد كل النظريات المصرفية واستنباط أو وضع نظرية اقتصادية تناسب الحالة السورية فرغم كل ما مر بالبلاد، لا تزال المصارف قائمة وقادرة على التمويل وتعوم فوق بحر من النقود.. فلنستثمرها..
الكنز -مازن جلال خيربك